يستعجل فاشيّو حكومة بنيامين نتنياهو الانتهاء من ورشة إنفاذ الاتفاقيات الائتلافية التي أبرموها مع حزب «الليكود»، مُكثّفين، في سبيل ذلك، طرْح مشاريع قوانين للتصويت عليها في «الكنيست»، بهدف البدء في تطبيقها في أقرب وقت. في هذا الإطار، وبعدما اضطرّ نتنياهو إلى إقالة زعيم حزب «شاس»، أريه درعي، من منصبه وزيراً للداخلية، عقب قرار «المحكمة العليا» إبطال تعيينه، صادقت الهيئة العامّة لـ«الكنيست» على قانون «درعي 2»، الذي سيُمكّن رئيس الحكومة، في حال تجاوُزه القراءات الثلاث المطلوبة، من تخطّي قرار «العليا» وإعادة درعي إلى منصبه، إذ ينصّ القانون المذكور، الذي يندرج ضمن خطّة «الإصلاحات القضائية» وجرى تمريره بالقراءة التمهيدية بأغلبية 62 عضواً، على منْع المحكمة من ممارسة دورها في الرقابة على تعيين الوزراء، ما يعني أن أيّ مسؤول أدينَ بالفساد والمخالفات الجنائية، كما هو حال درعي الذي قضى عقوبة السجن مع وقف التنفيذ، لن يجد عائقاً دون أن يصبح وزيراً.وفي محاولته الدفاع عن تلك التغييرات، رأى وزير القضاء، ياريف ليفين، صاحب الخطّة المطروحة على «الكنيست»، أن «التوجّه القاضي بأن أيّ شيء قابل للمحاكمة ليس مقبولاً. هذا التوجّه مناقض للديمقراطية»، معتبراً، في كلمته خلال جلسة التصويت، أن «المفهوم القضائي لا يمكن أن يتلاءم مع ألّا تكون الكلمة الأخيرة لهذا المبنى (الكنيست)»، في إشارة إلى أن قرار الأخير يجب أن يتغلّب على قرار «العليا»، التي لعبت - إلى حدّ ما - دوراً في الحفاظ على المكانة الدستورية لقوانين الأساس. وإلى أبعد من ذلك ذهب ليفين، واصفاً «رئيس الوزراء بأنه المسؤول الأعلى عن إدارة شؤون الدولة والحكومة»؛ فهو الذي «يقدّم في نهاية المطاف جردة الحساب للجمهور، ويتّخذ القرارات الصعبة أثناء الأحداث، ولذلك فإنه من غير المقبول أن يأتي قضاة المحكمة العليا ويقولون له: "سيدي، نحن سنقرّر مَن سيكون وزيراً"». في المقابل، اعتبر «الليكودي» السابق، والمُعارض الحالي من حزب «المعسكر الوطني»، غدعون ساعر، أن «هدف القانون هو إحداث فوضى. لقد بدأوا بذريعة التغلّب (على المحكمة)، وها هُم الآن يتعدّون ذلك، مُلغين تدخّل القضاء العام. هذا ليس جديراً بأن يوصَف بالقانون، فهو يناقض سلطة القانون أصلاً».
لم يُستثنَ الأسرى الفلسطينيون، وخصوصاً المرضى منهم، من حفلة «التنكيل»


وكانت الهيئة العامّة لـ«الكنيست» صادقت، بالقراءة التمهيدية، على مشروع قانون «فقرة التغّلب»، الذي يَمنع «العليا» من إلغاء قوانين أساس أو بنود منها. وتهدف هذه الفقرة، بالإضافة إلى إعادة تعيين درعي، إلى تعديل المادة الرقم 8 من «قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته»، والمادة الرقم 4 من «قانون أساس: حرية العمل»، بما يَمنع المحكمة من شطْب قوانين سُنّت بأغلبية عادية (61 عضواً)، ويَجعل قوانين الأساس التي أُقرّت في السابق بأغلبية مماثلة، فاقدة للمكانة الدستورية، وهو ما ستكون له تأثيراته البالغة على حقوق الفلسطينيين - المحدودة أصلاً - في الداخل، وكذلك على الشرائح العلمانية والليبرالية في المجتمع الإسرائيلي، والتي تصاعدت احتجاجاتها في الشارع منذ تنصيب حكومة نتنياهو. أيضاً، صادقت الهيئة على مشروع قانون لتعديل البند المتعلّق بقسم التحقيقات مع أفراد الشرطة (ماحاش) في مرسوم الشرطة، وهو مشروع ينصّ على نقل المسؤولية عن «ماحش» من النيابة العامّة إلى وزير القضاء، ويَمنح الأولى صلاحية التحقيق في مخالفات يرتكبها مدّعون عامّون من النيابة العامّة. وبالتالي، فإن «ماحاش» التي ألغت في السابق ملفّات جرائم ارتكبها شرطيّون ضدّ فلسطينيّي الـ48 خصوصاً، وراح ضحيّتها العشرات خلال السنوات الماضية، ستصبح خاضعة بالكامل لسلطة مسؤولين سياسيين يتطلّعون إلى إنهاء الوجود الفلسطيني بالكامل. ومن هنا، اعتبر فرع «منظّمة العفو الدولية» (أمنستي) في دولة الاحتلال أنه «من الخطأ الاعتقاد أن إسرائيل بلغت حضيض الانتهاكات في السابق»، في إشارة إلى أن القانون الجديد يُعتبر «انحداراً أكبر»؛ إذ إنه «في حال المصادقة النهائية عليه، لن يتمّ التحقيق في أيّ من الجرائم أو الانتهاكات ضدّ الفلسطينيين على جانبَي الخطّ الأخضر». «صحيح أن هذا القسم كان مجرّد ختْم مطّاطي في الغالبية الساحقة من الجرائم»، وفق المنظّمة، «لكن من الأنسب اليوم تبديل اسمه إلى قسم حصانة الشرطة»، كما قالت، معتبرةً أن «الانقلاب القضائي» نِتاج «الفكرة العنصرية المدّعية للتفوّق العرقي اليهودي، وهو من أجل ترسيخها وقوننتها».
ولم يُستثنَ الأسرى الفلسطينيون، وخصوصاً المرضى منهم، من حفلة «التنكيل» النظرية تلك؛ إذ صادقت «الهيئة العامة» على مشروع قانون يَحرم الأسرى من العلاج أو إجراء عمليات جراحية «تحسّن جودة حياتهم». وينصّ المشروع، الذي أيّده 42 عضواً وعارضَه 7 آخرون، على «حرمان الأسير من الحصول على تمويل حكومي للعلاج الطبّي غير المندرج ضمن الرعاية الطبّية الأساسية، بما في ذلك الأدوية غير المشمولة في سلّة الخدمات الصحّية»، مستدرِكاً بأنه «يُسمح لوزير الداخلية، بالتشاور مع وزير الأمن، بتمويل علاجات في حالات استثنائية ولأسباب خاصة (لم تُحدَّد)، على أن يُقدّم تقريراً عن هذه التصاريح مرّة واحدة في السنة إلى لجنة الأمن القومي في الكنيست». وبرّر مُقدّمو القانون خطوتهم بأن سياسة إسرائيل بحقّ المعتقَلين «متساهلة جدّاً بالمقارنة مع دول العالم» - علماً أن عشرات الأسرى الفلسطينيين قضوا نتيجة الإهمال الطبّي المتعمَّد -، مُدافعين بأن التشريع الجديد «لا ينتهك حقوق المريض الأساسية الواردة في قانون حقوق المريض والمعاهدات الدولية التي وقّعت عليها دولة إسرائيل».
في هذا الوقت، وفي مؤشّر إلى عمْق الأزمة الحاصلة في الكيان، ألغى الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، زيارته المخطَّطة الشهر المقبل إلى اليابان على رأس وفدٍ من رجال الأعمال. وطبقاً لِما كشفه موقع «واينت»، فإنه «يسود الاعتقاد في المقرّ الرئاسي بأنه في ظلّ أزمة الإصلاحات القضائية، ليس من الصواب أن يسافر الرئيس خارج البلاد»، ونقل الموقع جزءاً من رسالة الرئيس المُوجَّهة إلى رجال الأعمال، وفيها جاء أنه «في ظلّ الأزمة القضائية التي تعصف بإسرائيل، ومحاولات الرئيس الحثيثة للدفع بالحوار بين الطرفَين لمنع تعاظُم الأزمة، وتعمُّق الشرخ في المجتمع، ارتأى هرتسوغ إلغاء الزيارة المقرَّرة لليابان».