لم يألف السوريون، على رغم الأهوال التي مرّوا بها على مدار السنوات الماضية وصولاً إلى زلزال السادس من شباط، الخوف، كما لم يتّخذوه قريناً. هذا ما أظهره الزلزال الجديد الذي عاود ضرْب البلاد في الـ20 من الشهر نفسه، والذي جاءت خسائره البشرية محدودة إلّا أنها أكثر إيلاماً. إذ تُوفي، على الأقلّ، رجل أربعيني بأزمة قلبية، وشابّة في عقدها الثاني بعد صدمة عصبية، وامرأة خمسينية بسبب سقوطها وهي هاربة من منزلها، فيما سُجّلت العديد من حالات الرضوض والكسور نتيجة التدافع والسقوط أثناء الهروب إلى الشوارع. ولم تنتهِ الحكاية؛ بحسب مأمون، وهو من سكّان اللاذقية، فإن عدد ساعات النوم بات محدوداً، بالنظر إلى أن الرجل يبقى على استعداد لحمل طفلته الصغيرة والنزول بها إلى الشارع، الذي لم يكد يمرّ يوم منذ الكارثة من دون أن يقضي عدداً من الساعات فيه رِفقة عائلته. يقول لـ«الأخبار»: «الرعب الذي عشناه يوم الزلزال، والصور التي شاهدناها فيما بعد، لا تذهب من مخيّلتي... الجوّ العام كلّه متوتّر، ولا نعرف متى يَحدث زلزال جديد، أنا مؤمن بقضاء الله وقدَره لكنّني أخاف على صغيرتي أن تَعلق تحت الأنقاض». وتَلفت رنا، بدورها، وهي من سكّان طرطوس، إلى أنها هربت مع عائلتها إلى قريتهم في ريف المحافظة، على اعتبار أن «البيوت هنا أكثر أماناً من اكتظاظ بيوت المدينة، وأخاف أن يكون خبر التسونامي صحيحاً»، فيما تعترف لودي، وهي من سكّان دمشق، بأنها مصابة بـ«الفوبيا»، التي فاقمتها متابعتُها لكلّ تفاصيل الحدث من أخبار وصور و«فيديوهات»، سواءً حقيقية كانت أم مزيّفة، قائلةً: «لا يمكنني السيطرة على خوفي، أُصاب بالرعب من أيّ صوت أو حركة، وخاصة أنّني أَسكن في العشوائيات المهدَّدة بالسقوط في أيّ هزة».
قلّة المعلومات حول الزلازل، والتي تعود إلى عدم القدرة على توقُّع الظاهرة، تؤثّر في الحالة النفسية

بحسب محمد العصيري، وهو رئيس «الجمعية الفلكية السورية»، فإن «قلّة المعلومات حول الزلازل، والتي تعود إلى عدم القدرة على توقُّع هذه الظاهرة بالتفصيل كالأحوال الجوّية، تؤثّر في الحالة النفسية، وتجعل الناس تخاف وتقلق أكثر». وما يزيد الوضع سوءاً، وفقاً له، «انتشار الإشاعات والمنجّمين والصفحات المزوَّرة بأسماء علماء ومختصّين، ونشْر أخبار مغلوطة وعارية من الصحّة كأخبار التسونامي والمدّ والجزر وارتباط حركة النجوم والكواكب بالزلازل وتحديد مواعيد لحدوثها». ومن هنا، فهو يشدّد، في حديثه إلى «الأخبار»، على ضرورة «محاربة الإشاعات من خلال توعية الناس باعتماد معلومات المركز الوطني للرصد الزلزالي، وهو المصدر الرسمي والوحيد الذي يدرس الزلزال كحدث، ويقدّم معلومات عنها كتحديد مركزها ودرجتها وامتدادها». من جهتها، تُبيّن الأخصائية النفسية، رشا عمرايا، أن حالة الخوف التي يعيشها سكّان المناطق المنكوبة «هي حالة طبيعية قد تستمرّ لفترة طويلة، كونهم أشخاصاً عاشوا رهبة الحدث ونجوا منه وتعرّضوا لشيء من تداعياته كالإصابات الجسدية أو الفقد أو التهجير وغيره»، مضيفةً أن «سكّان المناطق الأخرى، البعيدة عن الزلزال، تعرّض بعضهم، سواءً شعروا بالهزّات أم لا، لنوبات هلع وخوف من جرّاء ضخّ المعلومات المغلوطة والمبالَغ فيها على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة مع قلّة المعرفة لديهم بالموضوع، فتَحوّل الخوف بينهم إلى تقليد». وتَلفت عمرايا إلى أهمّية «التعامل مع نوبات الهلع بشكل أوّلي، من خلال طمأنة الشخص وتدريبه على استعادة وعيه ومن ثمّ تشخيص حالته بشكل طبّي»، مضيفةً أنه «خلال الحرب، لم يتمّ التعامل مع الأزمات النفسية بالشكل الصحيح بسبب غياب دور الأخصائي النفسي، وزاد الأمر سوءاً بعد وقوع كارثة الزلزال». وإذ توضح أن «الفئة الأكثر تضرّراً تتمثّل في الأطفال فاقدي الرعاية والاهتمام»، فهي تنبّه إلى احتمالية إصابة الكثيرين بـ«كرب ما بعد الشدّة».