«ليلة سوداء للديموقراطية»، «التاريخ سيحاسبكم»، «حلّ الظلام على إسرائيل هذا الصباح، وهي تتّجه نحو ديكتاتورية فاشية مظلمة»؛ هكذا وصف زعماء معسكر المعارضة تصويت «الكنيست» على جزء من مشاريع قوانين خطّة «الإصلاح القضائي»، والتي من شأنها تقويض سلطة «المحكمة العليا» والحدّ من صلاحياتها. تصويتٌ لن يفعل أكثر من تعميق الانقسام الحاصل في الشارع الإسرائيلي على خلفية أداء حكومة بنيامين نتنياهو، وخصوصاً أن محاولات الحوار بين المعسكرَين لا تزال متعثّرة، وأن زعيم «الليكود» يبدو أسيراً لمجموعة «متطرّفين» تتجاذبه وتُمسك بخِناقه، من دون أن يقدر هو على التحرّر منها
بموازاة تمدُّد رقعة الاحتجاجات التي يقودها معسكر المعارضة ضدّ خطّة حكومة بنيامين نتنياهو، الرامية إلى «إضعاف جهاز القضاء»، صوّت «الكنيست» على التعديل الذي يقيّد صلاحيات «المحكمة العليا» في إلغاء «قوانين الأساس» (أي ذات المكانة الدستورية)، ويَمنعها أيضاً من إلغاء تعيين وزراء، كما فعلت حيال رئيس حزب «شاس»، أرييه درعي، الذي أبْطلت تعيينه في منصبه الوزاري إثر إدانته بمخالفات فساد. ومن ضمن ما جرى التصويت عليه أيضاً، من بين مشاريع قوانين «الإصلاح القضائي» المعروفة باسم «خطّة ليفين»، رفْع الأغلبية المطلوبة لاتّخاذ «العليا» قراراً بإلغاء أو شطب قوانين يسنّها «الكنيست»، إلى 12 من أصل 15 قاضياً، وتغيير تركيبة لجنة اختيار القضاة بهدف ضمان السيطرة المطلَقة عليها - علماً أن اللجنة المُشار إليها مسؤولة عن تعيين القضاة في المحاكم كافة، بما فيها «العليا» -، وذلك بالاستناد إلى مشروع قانون قدّمه رئيس لجنة القانون والدستور، سيمحا روتمان. وجاءت هذه الخطوة في ظلّ أجواء مشحونة عمّت الكيان، حيث تظاهَر خارج مبنى «الكنيست» في القدس المحتلّة، آلاف الإسرائيليين ضدّ ما وصفوه بـ«الانقلاب على القانون والديموقراطية»، فيما أغلقت الشرطة الإسرائيلية عدداً من شوارع المدينة بالتزامن مع الاحتجاجات التي امتدّت إلى تل أبيب وحيفا ومدخل مطار «بن غوريون» في اللدّ.
وعلى الرغم من مساعي الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هيرتسوغ، للتوفيق بين المعارضة والائتلاف الحاكم، إلّا أنه لا مؤشّرات، إلى الآن، إلى إمكانية التوّصل إلى تسوية، أو حتى إجراء حوار حول «الإصلاحات القضائية». إذ تشترط المعارضة وقْف التصويت على التشريعات الجديدة للبدء في الحوار، فيما يرفض الائتلاف هذا الشرط. وفي السياق، نقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة «كان»، أمس، عن وزير الثقافة والرياضة، ميكي زوهر، قوله إن «الحكومة عازمة على استكمال الإصلاحات، ونتّجه نحو الحوار والنقاش (مع المعارضة)»، مستدركاً بأن «الكُرة في ملعبهم (المعارضة)». في المقابل، رأى رئيس قائمة «المعسكر الوطني»، بيني غانتس، أن «الحوار هو أمر ضروري»، راهناً إيّاه بـ«الوقف المطلَق لكل الإجراءات التشريعية». أمّا نتنياهو فوصف ليلة المصادقة على التعديلات بأنها «ليلة عظيمة ويوم عظيم»، فيما عدّها حزب «يش عتيد» برئاسة زعيم المعارضة، يائير لابيد، «إحدى الليالي الأكثر حُلكة للديموقراطية الإسرائيلية منذ قيام الدولة». ودعت رئيسة حزب «العمل»، ميراف ميخائيلي، بدورها، زميلَيها في المعارضة، لابيد وغانتس، إلى إبلاغ هرتسوغ بأنه «بالرغم من نياته الحسنة (في التوسّط)، إلّا أنّنا لن نُجري أيّ اتصالات وأيّ حوار مع هذه المجموعة المفترسة»، في إشارة إلى الحكومة.
نتنياهو يضغط بانتظام على رؤساء الأجهزة الأمنية للعمل على كبْح «المتطرّفين» في الحكومة


وما بين المعسكرَين، وقف هرتسوغ ليصف يوم التصويت بأنه «صباح صعب»، معتبراً أنه ينبغي «بذْل أيّ جهد من أجل الاستمرار في الحوار بعد التصويت»، مع أن الحوار لم يبدأ أصلاً. ورأى أنه «كان الأجدر بالائتلاف أن يجد طريقة ليمدّ يده... وأنا أتوجّه إلى الائتلاف لأن القوّة بِيده. أثبِتوا سخاء المنتصرين، وأوجِدوا طريقة لإحضار المعارضة إلى حوار»، بينما اعتبر رئيس الوزراء الأسبق، إيهود باراك، أن «الظلام حلّ على إسرائيل هذا الصباح»، وأن «طبيعة إسرائيل الديموقراطية سُحقت تحت ديكتاتورية مظلمة، من الواضح أن الانقلاب غير شرعي! يجب على كلّ مواطن حرّ أن يُعارضه في إطار القانون. نحن لا نَدين بشيء للديكتاتور. سيشتدّ النضال ويستمرّ حتى النصر». ودعت صحيفة «هآرتس» العبرية، بدورها، في افتتاحيتها، إلى تصعيد الاحتجاجات ضدّ الحكومة، مشيرة إلى أن أحزاب الائتلاف «أتيحت لها عدّة فُرص للنزول عن الشجرة»، لكنها «تجاهلت الأصوات المتحفّظة والمعارِضة، سواء من قانونيين واقتصاديين في إسرائيل أو العالم»، كما تجاهلت «مقترح التسوية الذي طرحه هيرتسوغ، وكذلك تحذيرات الأجهزة الأمنية ومسؤولين سابقين في أجهزة الأمن، وصولاً إلى التحفّظات التي أبدتها الولايات المتحدة». وأضافت إن «الائتلاف لم يهتمّ أيضاً لمئات الآلاف المحتجّين القلقين من تداعيات التشريعات الجديدة على المجتمع الإسرائيلي، لأنه يهدف إلى تخريب الديموقراطية الإسرائيلية ويقابل الاحتجاجات بمزيد من الجشع ونزعة الهدم والتخريب». ورأت أن الرّد على دعوة نتنياهو، عقب التصويت، إلى التفاهم والحوار، «ينبغي أن يكون حاسماً؛ فالنافذة التي فتحها رئيس الدولة للائتلاف قد أُغلقت»، بعدما ظَهر أن الأخير «غير معنيّ بالتسوية». ورأت أن «كلّ دعوة إلى التباحث تحت التهديد هي دعوة إلى الاستسلام والخضوع»، مضيفةً إنه «ليس هناك بديل أمام المناهضين للخطّة الحكومية سوى مُواصلة الاحتجاجات وتوسيعها».
من جهته، لفت محلّل الشؤون الحزبية للصحيفة، يوسي فيرتر، إلى أن «ثمّة شكّاً في ما إذا كانت المجموعة التي تُحرّك نتنياهو مثل دمية بخيوط، ستسمح بالحوار. فالرجل يُستخدم كخرقة قماش بأيدي آخرين: زوجته سارة التي تَتوق إلى الانتقام من المحكمة العليا التي استهدفت قراراتها الحساب البنكي للعائلة؛ ونجله يائير المصاب بجنون كامل والمتَّهم من قِبَل الشاباك (أول من أمس) بمحاولة الانقلاب على والده؛ وليفين؛ وبالطبع (قادة الأحزاب الحريدية) غولدكنوبف ودرعي وغفني وسموتريتش وبن غفير، الذين سيحبطون أيّ نية لدى نتنياهو لتليين موقفه، وبالتالي، فإن رئيس الحكومة هو الحلقة الضعيفة». على أن نتنياهو لا يفتأ، بحسب ما كشفتْه «القناة السابعة» الإسرائيلية، «يضغط بانتظام على رؤساء الأجهزة الأمنية للعمل على كبْح مَن يسمّيهم المتطرّفين في الحكومة»، في إشارة إلى وزير «الأمن القومي» إيتمار بن غفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وذلك «بهدف تهدئتهم منعاً لتفجّر الأوضاع». وأوضحت القناة أن «نتنياهو دأب على الاتّصال برؤساء الفروع ("الموساد"، و"الشاباك"، وهيئة الأركان العامّة للجيش)، طالباً منهم التحدّث إلى سموتريتش وبن غفير لثنيهما عن الأفكار أو المبادرات التي يراها مغامرات خطيرة».
إلى ذلك، وقّع المئات من قدامى رؤساء «الشاباك» وضبّاطه على «خطاب مناشدة» وجّهوه إلى وزير الزراعة ورئيس الجهاز سابقاً، آفي ديختر، قالوا فيه «(إنّنا) نرى نيّات التشريع لإضعاف القضاء بمثابة انقلاب على قواعد النظام الديموقراطي. نحن نناشدك ونَطلب منك: لا تمدّ يدك إلى تحرّكات تهدّد أسس النظام الديموقراطي ووحدة الشعب والصمود الوطني».