بغداد | كثيرة هي الجهات التي خاضت الانتخابات النيابية العراقية، في تشرين الأول 2021، تحت غطاء تمثيل حراك «تشرين»، أو مَن يُعرفون بـ«المستقلّين». وحصلت، في مجملها، على 48 نائباً، ليتّضح لاحقاً أنها لا تمانع للمساومة مع الأحزاب التقليدية المتّهمة بالفساد والمحاصصة، سواء تلك الحاكمة منها أو المعارِضة، في مقابل حصولها على مكاسب شخصيّة أو حزبية، بحيث بَرز تشكيك بنوايا الأحزاب والقوى المستقلّة التي تقول إنها تمثّل احتجاجات «تشرين» الشعبية، بعدما اعتبرت جماهيرها أنها خُذلت. وبين الحين والآخر، تتعرّض «القوى المستقلّة» إلى انشقاقات وتفكُّك لقيادات وأعضاء بارزين من أحزابها، والسبب هو عدم خروجها بموقف موحّد إزاء مسألة التحالفات والائتلافات مع التيّارات السياسية الأخرى، وهو ما دفع بعض المستقلّين ليكونوا مع تلك القوى. وتتمثّل الأحزاب والحركات المستقلّة بـ : حركة «امتداد» التي يتزعّمها النائب علاء الركابي (أكبر تكتّل مدني)؛ و«الجيل الجديد» برئاسة شاسوار عبد الواحد؛ و«إشراقة كانون» التي يتزعّمها حيدر المطيري، بينما توجد حركات كـ«صوت المستقلّين»، و«تحالف العراق المستقلّ»، و«الكتلة الشعبية»، وحركة «نازل آخذ حقّي»، وحركة «وعي» الوطنية، و«البيت العراقي»، وغيرها التي انبثقت أيضاً من الحراك «التشريني» عام 2019.وعن أسباب تمكّن الأحزاب التقليدية من استمالة بعض «المستقلّين»، تقول النائبة في البرلمان والقيادية في حركة «الجيل الجديد»، سروة عبد الواحد، إن «الأحزاب الفاسدة دائماً ما تحاول أن تُرغّب المستقلّين بكلّ الطرق من خلال عرض الامتيازات والمناصب، لكن بعضنا رفض والبعض الآخر ذهب معها». وتشدّد على أن «الجيل الجديد لن يجتمع مع هذه الأحزاب الحاكمة، إلّا في حال تقديمها لورقة إصلاح حقيقية»، واصفةً تجربة المستقلّين في العراق بـ«البدعة»، ذلك أنه «ليس هناك شخص واحد مستقلّ لأن كلّ شخص فينا لديه في النتيجة وجهة نظر ورؤية وموقف. وهذه المواقف غير مستقلّة، لأن الشخص المستقلّ يكون مع هذه الجهة اليوم، وربّما سيكون ضدّها غداً». وتأسّف عبد الواحد، لجرّ بعض «المستقلّين» إلى أجندات سياسية معيّنة أو في اتجاه التحالف مع «الإطار التنسيقي»، لنَيْل مناصب وتحقيق رغباتهم التي يطمحون إليها. وترى أن هؤلاء «لم ينجحوا في الاختبار، ولهذا نرى عددهم قليلاً جداً وقد لا يتجاوز الأربعة أو خمسة أشخاص»، لافتة إلى أن «قسماً كبيراً منهم اجتمعوا تحت مظلّة تحالف عراق المستقبل، وهم مع النائب الأول (لرئيس مجلس النواب) محسن المندلاوي، التابع للإطار التنسيقي. وبالتالي ذهبوا إلى الإطار وحصلوا على مناصب رئاسة اللجان النيابية. وتجربة المستقلّين سيئة بالنسبة إلى إعادة الثقة للمواطن».
فكرة المستقلّين انبثقت من أحزاب السلطة بعدما انزعج الجمهور العراقي من وجودها


من جهته، يؤكد النائب المستقلّ في البرلمان، باسم الغرابي، أن «جميع المستقلّين، للأسف الشديد، لم يتوحّدوا في إطار رؤية مشتركة لترتيب مستقبلهم السياسي. وبالتالي فقدنا أهمية وجودنا في معالجة قضايا كبرى جئنا من أجلها وهي أيضاً قضايا قواعدنا الجماهيرية»، مضيفاً أن «المستقلّين، فقدوا أهميّتهم في العمل السياسي، وفي النتيجة، يُراد لهذه التجربة أن تفشل. والآن، الكتل الكبيرة تعمل على هذا الشيء، خاصّة وأن الذين يدّعون الاستقلالية أصبحوا اليوم في كنف الأحزاب الكبيرة». أمّا القيادي في حركة «امتداد»، مسعد الراجحي، فيبيّن، من جانبه، أن «الأحزاب التقليدية، ومع بداية الانتخابات، قامت بتأسيس أحزاب وشخصيّات ظِلّ تُصدّر نفسها للمشهد العراقي على أنها مستقلّة. وهي بالأصل تابعة لها بنسبة 60%. وأما الـ40 % الباقية، فعبارة عن أشخاص يُطلِق عليهم القانون تسمية مرشّح فرد وليس مستقلاً، باعتبار أن لديهم أجندات».
وفي ما يخصّ تحالف بعض الأحزاب والحركات الناشئة مع «التيّار الصدري»، يقول الراجحي إنه «لا مانع من الحديث مع مقتدى الصدر بشرط وجود ضمانات حقيقية. وأن تكون هناك حوارات بين الجميع»، مضيفاً أن «اتفاق حركة امتداد مع التيّار الصدري، سياسي وليس عقائدياً، لأنّنا مع حكومة الأغلبية. ولذلك مَن يأتي ويتناغم وينسجم مع حكومة أغلبية نحن نكون مؤيدين للفكرة». ويتوقّع حصول ائتلاف مع «الصدريين» «في حال وجود ضمانات، كتطبيق قانون الأحزاب الرقم 36 لعام 2015، وضمان تسليم القَتَلة اللصوص إلى المحاكم، وتعديل الدستور، وتغيير شكل النظام. فالتحالف مع الصدر سياسي وليس عقائدياً وبما يرضي الشارع العراقي».
بعض الباحثين يعتبر أن فكرة المستقلّين انبثقت من أحزاب السلطة، بعدما انزعج الجمهور العراقي من وجودها في العملية السياسية. ويعتبر الباحث في الشأن السياسي، داوود القيسي، أن «تلك الأحزاب قامت بتدوير الوجوه بشخصيّات تزعم أنها مستقلّة ولها استقلاليتها في القرار، لكن هي أصلاً متحزّبة ودخلت الانتخابات بقوائم وأسماء مستقلّة. وهذا ما توهّم به بعض الناخبين العراقيين». ويشير إلى أن «نسبة المستقلّين في العراق لا تتجاوز الـ1%، وأغلبهم ينحدر من الإطار التنسيقي والتيّار الصدري وتيار الحكمة وغيرها من الكُتل الحزبية التي تتربّع على عرش السلطة منذ عام 2003». ويرى القيسي أن «الحركات والأحزاب المستقلّة حديثة العهد منقسمة إلى قسمين: الأول تابع لحكومة الإطار، والآخر يقول إنه معارض لكنه مع التيّار الصدري. ما لمسناه أخيراً هو أن التيّار بدأ يتّفق مع الرافضين لحكومة الإطار من الأحزاب والحركات الاحتجاجية للنزول بتظاهرات تندّد بأداء وعمل الحكومة، وخاصّة في مسألة ارتفاع سعر صرف الدولار».
وعلى هذا المنوال، يؤكد السياسي العراقي عضو حزب «المرحلة» المنحلّ، سيف الخالدي، أن «بعض الشخصيّات تدّعي أنها مستقلّة، لكنها تابعة لـ«التنسيقي» منذ البداية، إلّا أنها دخلت بعناوين أخرى لأن الشارع، وبعد اندلاع تظاهرات تشرين، كان قد عرّى الأحزاب السياسية، وخاصة التقليدية، فصار لفظ حزب أو متحزّب أَشبه بوصمة عار، ما دفع بعض القوى التقليدية لاعتماد استراتيجية جديدة وهي مواكبة مطالب المحتجّين وخلْط الأوراق عليهم وتشتيت أصواتهم». ويُضيف أن «المستقلّين الثابتين على مواقفهم، وهم قلّة قليلة، تعرّضوا إلى الانتقام من الإطار نتيجة موقفهم، كالنائبَين سجاد سالم وعلاء الركابي. كما تعمّد الإطار إقصاءهم من اللجان البرلمانية المهمّة للتضييق عليهم وعزْلهم داخل البرلمان». ويعتقد الخالدي أن تجربة المستقلّين «فشلت نتيجة عدم توحيد الرؤى والمواقف والقرارات، وهذا كان واضحاً في بيانات الحركات والأحزاب الرسمية». كما يرى أن «أغلب القوى المستقلّة الجديدة، وخاصّة التشرينية، قد مالت إلى كفّة التيّار الصدري بغضاً بالإطار التنسيقي، لكن في الوقت الحالي، تهاوت لأنها لم تقاوم أمام رياح الإرادات السياسية والأحزاب الكلاسيكية المتصارعة على السلطة والنفوذ».