على نحو غير معهود منذ عملية الأسر الشهيرة عام 2014، كثّفت حركة «حماس» من حجم المعلومات التي تُدلي بها حول الجنود الإسرائيليين الأربعة الأسرى لديها، في ما قد يُفهم منه على أن الحركة تحاول تسهيل الطريق أمام حكومة بنيامين نتنياهو، التي ربّما تَعدّها «حماس» الأكثر استقراراً على رغم كثرة الخلافات التي تضربها، للبدء بمفاوضات تبادل جادّة. وبحسب ما علمته «الأخبار»، من مصادر «حمساوية»، فإن الحركة ترى أن فُرص إبرام صفقة جديدة حالياً، أعلى بكثير ممّا كانت عليه في السابق؛ وهو ما حمَلها على طرْح العديد من الأوراق التي يمكن أن تَدفع نحو إبرام الصفقة، بما في ذلك التسجيل المصوَّر الأخير للجندي أبراهام منغستو، ومِن قَبله الجندي هشام السيد. وتوضح المصادر أنه على رغم كوْن حكومة نتنياهو يمينية ومتطرّفة، إلّا أنها تُعتبر مستقرّة مقارنةً بسابقاتها، الأمر الذي يمنحها فرصة لإغلاق هذا الملفّ، خصوصاً وسْط تعالي الأصوات المنادية بطيّ صفحته، حتى مِن داخل الجيش الذي يرى أن لبقاء الجنود لدى «حماس» تأثيرات سلبية.وكانت الحكومة الإسرائيلية الـ34، التي رأسها نتنياهو بالشراكة مع أفيغدور ليبرمان وحزب «البيت اليهودي» بقيادة نفتالي بينت وإيليت شاكيد، متناقِضةً في تركيبتها، وهو ما أعاق قدرتها على اتّخاذ قرار بإبرام صفقة تبادل، كان الحزب الشريك المذكور يلوّح دائماً بوضْع «فيتو» عليها، والانسحاب من الائتلاف في حال الإصرار على المضيّ فيها. وتَرافق ذلك مع الإصرار على الالتزام بما قرّرته لجنة القاضي المتقاعد، مئير شمغار، التي كُلّفت بوضع آليّات للتعامل مع خطْف الجنود وكيفية التفاوض من أجل إطلاق سراحهم، وأوصت في عام 2015 بإطلاق سراح عدد محدود جدّاً من الأسرى الفلسطينيين، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي أسير. أمّا حكومة نتنياهو الـ35، التي استمرّت من أيار 2020 حتى حزيران 2021، فواجهت بدورها معارضة داخلية شديدة لأيّ عملية تبادل، وهو الأمر الذي أخّر انطلاق مفاوضات حقيقية، وحمَل حكومة الاحتلال على التعامل بسلبيّة مع مختلف الاتّصالات التي قادها الوسيط المصري وغيره من الوسطاء الدوليين الذين عرضوا التدخّل لإتمام الصفقة.
حتى عام 2019، لم تكن هناك أيّ مباحثات جادّة بخصوص ملفّ الجنود الأسرى


وبحسب ما علمته «الأخبار»، فإنه حتى عام 2019، لم تكن هناك أيّ مباحثات جادّة بخصوص ملفّ الجنود الأسرى، إلّا أن طلباً إسرائيلياً وصل آنذاك عبر الوسيط المصري إلى «حماس»، للوقوف على حقيقة ما تريده الحركة من الصفقة، مثّل أوّل تحرّك حقيقي في هذا الملفّ، الذي طُوي الحديث عنه خلال عهد الحكومة الـ36 بقيادة بينت، قبل أن يعود إلى الطاولة من جديد عندما تولّى يائير لابيد الرئاسة في عام 2022 خلَفاً لبينت، بموجب اتّفاق المداورة بينهما، والذي أعقبه سريعاً سقوط الائتلاف، والتوجّه إلى انتخابات مبكرة أسفرت عن تشكل حكومة جديدة برئاسة نتنياهو. ووفقاً للمصادر «الحمساوية»، فإن ما يدفع الحركة اليوم إلى إعادة تحريك الملفّ - فضلاً عن وجود حكومة مستقرّة يمكنها تنفيذ الصفقة -، يتمثّل في توجّهات الائتلاف اليميني الجديد البالغة العدوانية ضدّ الأسرى الفلسطينيين، والتي تجلّت في تلويح وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، المسؤول عن إدارة سجون الاحتلال، بالتضييق على المعتقَلين وحرمانهم الكثير من الحقوق التي كانوا قد استطاعوا تحصيلها، وهو الأمر الذي ضاعف مطالباتهم لقيادة المقاومة بضرورة التحرّك لتسريع التبادل.
من جهته، يرى الكاتب والمحلّل السياسي، المقرّب من حركة «حماس»، شرحبيل الغريب، أن ثمّة مؤشّرات تعكس جدّية نتنياهو في استكمال المفاوضات، يتمثّل أوّلها في عزمه تعيين منسّق جديد لملفّ الأسرى والمفقودين الإسرائيليين بعد استقالة الرئيس القديم لفشله في إحراز تقدّم في هذا الملفّ. ويُعرب الغريب عن اعتقاده بأن تأثير اليمين المتطرّف في استئناف مسار التبادل لن يكون كبيراً، مذكّراً بأن غالبية الصفقات عُقدت مع اليمين، مضيفاً أنه «لن يكون للمتطرّفين (بن غفير وبتسلئيل سموتريتش) سلطة معارضة قوية؛ إذ إن ما حصلوا عليه من صلاحيات وامتيازات جرّاء اتفاقيات الائتلاف أهمّ، من وجهة نظرهم، من صفقة تبادل يمكن أن يبرمها نتنياهو، فيما ثمّة أمر إضافي يدفع الأخير إلى استئناف المفاوضات، وهو وجود إجماع داخل مؤسّسة الجيش على إنهاء ملفّ الجنود الأسرى».