القاهرة | يُحيي المصريون الذكرى الـ13 لـ«ثورة 25 يناير» على وقْع أوضاع اقتصادية صعبة، في ظلّ تراجُع قيمة الجنيه أمام الدولار، والذي أدّى إلى ارتفاع كبير في الأسعار. وقُبيل ساعات من حلول الذكرى، فضّل الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يبدأ زيارة للهند، للمشاركة كضيف شرف في احتفالات «يوم الجمهورية». وعلى رغم كوْن هذه الخطوة بروتوكولية بناءً على ترتيبات مسبقة، إلّا أنها تحمل أيضاً رسائل عديدة، عنوانها تجاهل ضرورة التواجد في البلاد إبّان الذكرى، باعتبار هذه الأخيرة أمراً عادياً، ولا يُتوقّع أن تشهد أيّ اضطرابات، بل وإغفال مناسبة افتتاح «معرض القاهرة الدولي للكتاب»، في ما يتّسق تماماً مع سياسة التهميش والجمود الثقافي التي يتّبعها النظام. وعلى رغم تبايُن طريقة الإحياء من عام إلى آخر تبعاً للوضعَين السياسي والاقتصادي، والإصرار على تحميل الانتفاضة آثار النكبة التي تعيشها البلاد اليوم في وقت تتواصل فيه عملية بناء المشروعات العملاقة غير المجدية، إلّا أن «25 يناير» بقيت دائماً الحالة التي يحاول النظام توظيفها بالحديث المقولَب عنها، مع تجاهُل الاحتفال بها، والاكتفاء في خلالها بكلمة رسمية مقتضَبة يلقيها السيسي. أيضاً، يدأب النظام على اختزال «25 يناير» بكوْنه عيداً للشرطة، يتمّ الاحتفال به بمراسم متعدّدة، كان آخرها الاحتفال الذي شهده السيسي أوّل من أمس، وتحدّث فيه عن تضحيات رجال الشرطة والقدرة على استعادة الأمن، بينما بدا إعلام الدولة الرسمي وشبه الرسمي غائباً تماماً عن بقيّة جوانب الانتفاضة، بل إن بعض المحسوبين على السلطات يكادون لا يفوّتون فرصة من دون انتقاد أحداث ذلك العام، وما خلّفته حتى اليوم من آثار لا يرون فيها أيّ جوانب إيجابية.مع ذلك، يحاول النظام، من خلال بعض الأوجه المحسوبة عليه، التأكيد أنه لا يزال أميناً لمبادئ «25 يناير»، لاجئاً من وقت إلى آخر إلى محاولة تهدئة الغضب المتزايد على الأوضاع الاقتصادية المتردّية. ويأتي هذا في وقت تَبرز فيه مسألة تحسين الحياة في الريف ومعالجة المناطق العشوائية، بوصْفها الإشكالية الرئيسة التي تُواجهه لدى إجراء المقارنات المستمرّة مع ما كان يقوم به نظام حسني مبارك على مدار 3 عقود، حيث نجح الأخير في الحفاظ على استقرار الأسعار بشكل كبير، وأبْقى على الدعم الذي يفقد اليوم قيمته تدريجياً مع تراجُع الجنيه أمام الدولار. وفي محاولة للهروب من تلك الإشكاليات، يركّز النظام، من خلال إعلامه على «عيد الشرطة» التي كان لها دورٌ رئيس في قمْع انتفاضة عام 2011، محاولاً أيضاً تصدير صورة مختلفة عن الجهاز الذي عاد إلى استخدام القوّة والعنف والإجراءات غير القانونية. وعلى رغم أن «25 يناير» مصنَّفة دستوياً، شأنها شأن «30 يونيو»، كثورة، إلّا أن الواقع يقول إن النظام يَعتبر نفسه ابناً للأخيرة، ولذا يصبّ اهتمامه عليها، باعتبارها مواجهة مع جماعة «الإخوان المسلمين» المُصنَّفة «إرهابية»، والسبب الرئيس في الأوضاع السيّئة التي عاشتْها البلاد، سواء في الفترة التي قضتْها الجماعة في الحُكم أو برفضها التنازل عن السلطة.
يدرك النظام أن الغضب الشعبي وصل إلى ذروته اليوم بعد 9 سنوات قضاها السيسي رئيساً للبلاد


على أيّ حال، يدرك نظام السيسي أن الغضب الشعبي وصل إلى ذروته اليوم بعد 9 سنوات قضاها رئيساً للبلاد، لم تشهد فيها هذه الأخيرة تحسّناً اقتصادياً، بل واجهت تراجُعاً حادّاً على مختلف المستويات، مع زيادات مطّردة في الأسعار وتكاليف الحياة، في مقابل تدنّي جودتها. لكن يبقى رهانه الحقيقي والوحيد الآن، هو محاولة تصدير شبح الخوف من الفوضى على غِرار ما حدث بعد «25 يناير». ولذا، فهو يركّز على أن الانتفاضة التي خرجت نتيجة ضيق المصريين من الوضع السيّئ آنذاك، جاءت لهم بوضع أسوأ اقتصادياً ولوْ بعد حين، وهو أمر سيتكرّر اليوم إذا ما خرجوا إلى التظاهر، الذي ستكون تداعياته كبيرة على مختلف المستويات، ولا سيما الاقتصادية. ويتجلّى ذلك بوضوح في الأحاديث الرسمية كافّة، سواء من قِبَل الرئيس أو رئيس الوزراء الذي بدأ الظهور أخيراً بشكل مكثّف، حيث يَجري التركيز على أن أيّ تغيير في السلطة ستكون كلفته الاقتصادية أعلى من كلفة ما تقوم به السلطة الحالية، التي تواجه أزمة عالمية ليست لها يدٌ فيها، بل تحاول الحدّ من آثارها، مع تحذيرات من ضرر جسيم في حال التظاهر أو الاعتراض في الشارع، وهو الأمر الذي لم يَعُد مسموحاً به أصلاً منذ فترة طويلة.
بالنتيجة، لا يزال حدث 25 كانون الثاني 2011 يربك النظام، ويدفعه إلى محاولة كتابة تاريخ مزوَّر عن تلك الفترة، سواء من قِبَل الفاسدين الذين عادوا إلى المشهد تحت مظلّة النظام الحالي، أو حتى أولئك الذين باتت لديهم رغبة مستجدّة في محْو الواقع وتشويهه، إلى درجة توثيق معلومات خاطئة في كتب التاريخ في المراحل التعليمية المختلفة.