على رغم العقبات الكثيرة التي تعترض طريق التطبيع السوري - التركي، تشير المعطيات المتوافرة كافة إلى أن أنقرة متمسّكة بهذا المسار، وهو ما أنبأ به مثلاً تسريبها حديثاً لأحد مسؤوليها عن استعدادها للانسحاب الكلّي أو الجزئي من الشمال السوري. ولعلّ ذلك التمسّك يفسّر جانباً من «الهَبّة» الأميركية، متعدّدة الأشكال والمستويات، لعرقلة عملية الانفتاح على دمشق، بدءاً من محاولة حشْد المعسكر الغربي بأكمله ضدّها، مروراً بالاشتغال على الربط الاقتصادي بين مناطق سيطرة «الإدارة الذاتية» وتلك الخاضعة لسلطة أنقرة، وليس انتهاءً بالعمل على تهشيم «الائتلاف» ومحاولة استنبات تشكيلات معارضة بديلة
قُبيل زيارة وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، لواشنطن، ولقائه نظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، عقد ممثّلو دول الاتحاد الأوروبي اجتماعاً في العاصمة البلجيكية بروكسل، بدعوة من المبعوثة الأوروبية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هيلين لوكال، لمناقشة الأوضاع في سوريا، ليخلص الاجتماع إلى تأكيد استمرار موقف الاتحاد الأوروبي القائم، والمتمثّل في رفْض أيّ خطوات تطبيعية مع دمشق، ورفْض رفْع العقوبات عن الأخيرة، كما ورفْض إعادة الإعمار، الأمر الذي يتماشى مع حملة التصعيد التي تقودها واشنطن في الملفّ السوري هذه الأيّام. كذلك، سارعت الولايات المتحدة، التي لمست رفضاً قاطعاً من أنقرة لخطّتها القديمة - الجديدة للربط بين مناطق «الإدارة الذاتية» التي تقودها «قوات سوريا الديموقراطية» الكردية (قسد) والشمال السوري الذي تسيطر عليه تركيا، كبديل للانعطافة التركية نحو دمشق، إلى الإعلان عن اجتماع تشاوري في جنيف لممثّلي الدول التي تماثلها في مواقفها من الأزمة السورية، في إشارة إلى التحالف السياسي الذي تقوده ضدّ روسيا، حيث تربط واشنطن بين ملفَّي سوريا وأوكرانيا، وتَعتبر أيّ تقدّم في الملفّ السوري نجاحاً لموسكو، وفق مصادر سورية معارضة، تحدّثت إلى «الأخبار».
المصادر ذكرت أن جدول أعمال اللقاء لم يتبلور حتى الآن، غير أن المؤكد أنه سيستمرّ ليومَين: اليوم الأوّل (يُتوقّع أن يكون الإثنين القادم) يناقش فيه المجتمعون الخطوات الموحّدة التي يمكن اتّباعها لمنع أو تخفيف أيّ آثار للانعطافة التركية، وإعادة تقييم قانون العقوبات الأميركية على سوريا، ومدى إمكانية تنفيذ بنود منه ضدّ الدول التي انفتحت أو تسير نحو الانفتاح على دمشق، على أن يُعقد في اليوم التالي اجتماع مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش.
استبَقت واشنطن زيارة أوغلو بجولة لمنسّق البيت الأبيض للشؤون الأمنية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا شملت الأردن والعراق


واستبَقت واشنطن زيارة وزير الخارجية التركي بجولة قام بها منسّق البيت الأبيض للشؤون الأمنية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك، شملت الأردن والعراق، حيث ناقش المسؤول الأميركي ملفّات عدّة من بينها الموضوع السوري. وبحسب مصادر كردية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن ماكغروك ناقش مع أربيل سُبل التنشيط الاقتصادي لمناطق «الإدارة الذاتية»، والاستفادة من استثناءات قانون عقوبات «قيصر»، والتي تشمل مناطق «الذاتية» وأخرى تسيطر عليها تركيا في الشمال السوري باستثناء إدلب وعفرين. في المقابل، أشار أوغلو، قبل انطلاقه إلى واشنطن، إلى أن الملفّ السوري سيحتلّ حيّزاً رئيساً من مباحثاته هناك، مضيفاً أن ملفّ طائرات «F16» سيكون حاضراً أيضاً، علماً أن الولايات المتحدة استثمرت هذا الملفّ مرّات عدّة للضغط على تركيا، بعد إخراجها إيّاها من مشروع تطوير طائرات «F35» إثر شراء الأخيرة منظومة «S400» الدفاعية الروسية.
وبالإضافة إلى الحراك السياسي والميداني (عبر إعادة نشْر القوّات الأميركية وتوسيع رقعة تمركزها، ومحاولة إحياء فصائل عربية تابعة لها في مناطق نفوذ «قسد»)، أعلنت الخارجية الأميركية ضخّ 15 مليون دولار لدعم ما سمّته «مكافحة التضليل، وتوسيع بثّ وسائل الإعلام المستقلّة، وتعزيز مبادئ حقوق الإنسان». ويتوافق ذلك مع التحرّكات الأميركية الأخيرة لخلق معارضة سورية بديلة لـ«الائتلاف» تنشط من نيويورك، تمهيداً لسحب البساط من تحت أنقرة، وإنهاء «الائتلاف» الذي يمثّل واجهة سياسية للمعارضة تتحكّم بها تركيا، علماً أن حملة كبيرة بدأت تَظهر بالفعل عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ضدّ هذا التشكيل. وفي المقابل، وفي تصريحات يبدو أنها تهدف إلى الضغط على واشنطن، سرّبت أنقرة إلى وسائل إعلام تركية تصريحات لمسؤول تركي كبير لم تُسمّه، أعلن خلالها موافقة بلاده على الانسحاب من سوريا جزئياً أو كلّياً وفق جدول زمني محدَّد، في ردّ مباشر على مطالب دمشق. كذلك ذكر المسؤول التركي أن بلاده متّفقة مع الجانب السوري على عدم وجود أيّ خطوط حمراء لا تمكن مناقشتها، الأمر الذي يعني إصراراً تركياً على الانفتاح على دمشق، خصوصاً بعد الزيارة التي أجراها وزير الخارجية الإيراني، حسين عبد اللهيان، لأنقرة قادماً من سوريا، وإعلانه دعم بلاده هذا الانفتاح، واستعدادها للانضمام إليه وتحويله إلى لقاءات رباعية تضمّ روسيا وإيران وتركيا وسوريا، وفق «مسار أستانا» الذي تحدّث عن إمكانية تعديله وتحديثه أيضاً. بدورها، أكدت موسكو مضيّها في تقريب وجهات النظر بين أنقرة ودمشق، حيث أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، استمرار العمل لإجراء لقاء على مستوى وزيرَي خارجية سوريا وتركيا، مرحّباً في الوقت ذاته بالمسار التركي للحلّ في سوريا.
ميدانياً، تابعت «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) هجماتها التصعيدية لتسخين جبهات القتال، عن طريق إرسال «إنغماسيين» إلى محاور «خفض التصعيد» في إدلب. وأفادت مصادر ميدانية بأن هجوماً جديداً شنّه عدد من «الجهاديين» على محور قرية معرة موخص في ريف إدلب الجنوبي، ردّ عليه الجيش السوري بقصف مكثّف على مواقع المسلحين، الأمر الذي أدّى إلى مقتل عدد منهم، عُرف منهم «أبو عبيدة النعماني» و«أبو جهاد الحلبي»، وهما من فصيل «أنصار التوحيد».