هذه الهدنة الإنسانية ليست لها علاقة بإتاحة المجال للمباحثات السياسية التي تشهد هي الأخرى شداً وجذباً أشبه بالمعركة، فالقاهرة لا تزال مصرّة على مبادرتها، بل بادرت إلى إبلاغ الأطراف الفلسطينية أنها لن تستقبل أحداً حتى يكون موافقاً على المبادرة قبل وصوله مصر، وهناك يجري بحث التفاصيل، وفق مصدر فلسطيني مواكب للاتصالات.
المصدر أوضح أنه لا نتائج عملية للمشاورات التي أجراها رئيس السلطة محمود عباس مع رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في العاصمة القطرية، فالأول أكد للأتراك والقطريين ثم مشعل أن أي قاعدة للانطلاق نحو توقيع مبادرة لا بد أن تكون بعد وقف إطلاق النار «ثم يجري بعد ذلك بحث المطالب»، وهو أيضاً أشار إلى أن هذا الشرط هو الموقف المصري نفسه.
في المقابل، يؤكد المصدر المطلع ما قالته الدوحة وأنقرة حين أشارتا إلى أنهما لا تمتلكان مبادرة أخرى، «في حين أن موقفهما لا يتعدى ما يتوافق عليه الفلسطينيون بشأن المبادرة المصرية»، علماً بأن لا أحد من الأطراف الفلسطينية أعلن رفضه المطلق لمبادرة القاهرة أو كون الوسيط مصرياً، لكنها جميعاً رفضت البنود الواردة وطالبت بتعديلها. كذلك يذكر أن الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، قال أمس إن على «حماس» الموافقة على مبادرة التهدئة المصرية.
الهدنة الإنسانية بوساطة
الصليب الأحمر ستبدأ من العاشرة صباحا حتى الثالثة مساء
مصدر مقرب من حركة «الجهاد الإسلامي» أكد أن مشعل أبلغ عباس استحالة العودة إلى تفاهمات 2012 التي اخترقتها إسرائيل، قائلاً له إن أقل ما يمكن قبوله هو رفع الحصار عن القطاع من جميع الأطراف، في إشارة إلى إسرائيل ومصر. وذكر المصدر أن مشعل رفض رفضاً تاماً أي حديث إسرائيلي أو عربي عن تجريد غزة من السلاح الصاروخي أو التقليدي.
ولتحريك المياه الراكدة، أعلن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أن وزير خارجيته جون كيري سيضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار. هو الأمر نفسه الذي تحدث عن المصدر الأخير الذي أشار إلى أن كيري يصل المنطقة حاملاً معه مسودة مبادرة قد تريح القاهرة من عبء قبولها تعديل مبادرتها أو التراجع عنها.
وذهب أكثر من ذلك حين قال إن المقاومة تتوقع أن يطلب الإسرائيليون بسبب تلقيهم ضربات موجعة في الأيام الماضية وقفاً لإطلاق النار من الوزير الأميركي، متوقعاً في الوقت نفسه أن يستغل كيري هذا الطلب لإفهام المصريين أن وقف النار جرى بتفاهم خارج مبادرتهم حتى يجري التعديل عليها بهدوء.
يشار إلى أن أوباما اعتبر أن «إسرائيل ألحقت أضراراً كبيرة بالبنى التحتية لحماس»، لكنه أعرب أمس عن «مخاوف كبيرة بشأن تزايد عدد الوفيات بين المدنيين الفلسطينيين وإزهاق الأرواح الإسرائيلية».
على جانب «حماس»، قالت مصادر من غزة إن السعي الدولي الآن يجري نحو تهدئة إنسانية تصل إلى ثلاثة أيام يضمن خلالها محمود عباس التوصل إلى «اتفاق مبدئي»، لكنها لم تخف معرفتها بأن الاتفاق لن يتضمن ميناءً بحرياً أو مطاراً، «بل يجري التركيز على رفع الحصار وفتح معبر رفح مع مصر برقابة دولية». ولمحت هذه المصادر إلى أن العمل يجري بطلب السقف الأعلى للوصول إلى أفضل ما يمكن.
هو التوصيف نفسه الذي أوحى به نائب رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية الذي قال إن «على العالم أن يفهم أن غزة قررت إنهاء حصارها بدمها ومقاومتها وأنه لا عودة للوراء». وأكد هنية في ثاني خطاب متلفز له أمس منذ بداية الحرب أن «مطالب غزة متمثلة في وقف العدوان الإسرائيلي وضمان ألا يتكرر، ورفع الحصار والإفراج عن المعتقلين بعد أحداث الضفة الأخيرة».
في السياق، شدد الناطق باسم حماس، سامي أبو زهري، على رفض حركته وفصائل المقاومة الضغوط الممارسة عليها لإجبارها على التخلي عن شروطها. وقال أبو زهري في تصريح مقتضب أمس إن «الحراك الدولي يهدف إلى إنقاذ الاحتلال من الورطة، لكن المقاومة لن تستجيب للضغوط، وهي ستفرض شروطها بتفوقها في الميدان».
عند هذه النقطة، عاد المصدر المقرب من «الجهاد» ليشرح أن هناك جواً من التفاؤل لدى المقاومة في ما يتعلق بسير التصدي للعملية البرية، موضحاً أن التقدم الإسرائيلي صار طفيفاً واقتصر على دخول بعض المناطق الزراعية في محاور الشمال والشرق والجنوب، «لكنه للأسف يستعيض عن هذا الإخفاق بقصف المدنيين بصورة إجرامية».
أما عن غياب إعلان «القسام» أسر جندي إسرائيلي عن جدول الأعمال الخاص باتفاق التهدئة، فلم يشر المصدر إلى أنه جرى طرح القضية خلال المباحثات، لكن تقديراً يسود أن حالة اللانفي واللاتأكيد التي تتعامل بها إسرائيل مع القضية مردها تقديرها أن الجندي قتل وأن ما تحتفظ به المقاومة هو جثة الأسير مع إشارات من عائلته وأصدقائه عبر صفحته في «الفيسبوك» إلى أنه مقتول.
لكن، هل أدت الخسائر الميدانية لكلا الطرفين إلى تراجع «سياسي»؟ التقارير العبرية أشارت أمس إلى «تفاهم خلاق يجري التوصل إليه»، ويقضي بإعلان وقف لإطلاق النار خلال الساعات المقبلة. وذكرت القناة العاشرة العبرية في تقرير عاجل قطع بث الاستوديو الإخباري المفتوح عن مجريات العدوان على غزة، أن الحل المتبلور في الساعات الماضية يتكون من مرحلتين: الأولى تثبيت الوضع ووقف إطلاق النار مقابل «أشياء» يمكن إسرائيل ومصر وحماس أن تقدم عليها فيما بينها. «وهي قضايا متواضعة مثل فتح المعابر مع القطاع وتأمين رواتب موظفي حماس في موازاة هدوء أمني تلبية لمطالب إسرائيل».
وفيما لم تفصل القناة آلية ومضمون الاتفاق، لفتت إلى أن المرحلة الثانية من الحل تتعلق بـ«أمور طويلة الأمد» مثل «الهدنة الأمنية لعشر سنوات كما تطلب حماس مقابل رفح الحصار الكامل وإقامة منفذ بحري من غزة، كما سيجري الحديث في هذه المرحلة عن نزع السلاح كما تطلب تل أبيب».
وفيما أكدت القناة الثانية في تقرير مواز «بلورة اتفاق جديد لوقف النار»، أضافت أن اتفاقاً كهذا ليس مسألة ساعات، «إذ يجب التصديق عليه في المجلس الوزاري المصغر، وهذا يتطلب على الأقل 24 ساعة». كذلك قالت إن اسرائيل يجري إعلامها بالتطورات التي تجري حالياً بين كيري وبان كي مون ومحمود عباس إضافة إلى الجانب المصري».
وكان موقع «واللا» الإخباري قد تحدث عن اتصالات مكثفة لوقف إطلاق النار، قائلاً: «في القاهرة يجرون اتصالات بين مندوبين عن السلطة برئاسة قائد الاستخبارات العامة ماجد فرج، وبين ممثلين عن مصر بشأن إدخال تغييرات على المبادرة المصرية».
إلى ذلك، أبدى عدد من الوزراء الإسرائيليين معارضتهم «وقف العملية البرية». ولفتت صحيفة «يديعوت أحرنوت» إلى أن هذه المعارضة أتت في جلسة حكومية أمس حضرها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على خلفية تحول الأنفاق الهجومية لـ«حماس» إلى تهديد حقيقي «يجمد الدم في العروق».
في السياق نفسه، دعا الوزير غلعاد أردن، إلى دراسة إمكانية إبقاء الجيش في جزء من المواقع شمال قطاع غزة. وأضاف: «ينبغي عدم الموافقة على أي اقتراح لوقف النار إلى حين تحقيق هذا الهدف».
أيضاً قدم وزير الدفاع موشيه يعلون في الجلسة تقريراً عن مجريات العملية البرية أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، قائلاً إن «العملية تشمل جهوداً دفاعية عن غلاف غزة ومواجهة الأنفاق الهجومية والنيران القوسية لمديات مختلفة»، مضيفاً أن «هذا الجهد يعطي ثماره» بالتوازي مع «الجهد الهجومي». وأكد أخيراً استعداده لمواصلة العملية وفق الحاجة «حتى إذا كان هناك حاجة إلى تجنيد المزيد من قوات الاحتياط».