لسنا نسخة كربونية عن أحد والاشتراطات تعطّل المصالحة حكومة الفاشيين ستحوّل السلطة إلى روابط قرى خدماتية

في نهاية أيار الماضي، انتُخب الدكتور جميل مزهر نائباً للأمين العام لـ«الجبهة الشعبية»، أحمد سعدات، الذي لا يزال معتقَلاً في سجون الاحتلال. الرجل الذي سجّل طوال السنوات الماضية، مواقفَ «جذرية» على الصُّعُد كافة، الفلسطيني الداخلي، والإقليمي، وحتى الدولي أخيراً، حدّد في حفل انطلاقة «الجبهة» الـ55، عناوين أكثر «جذرية» ووضوحاً. «إمّا فلسطين وإمّا النار جيلاً بعد جيل»، قال مزهر، ملخّصاً برنامج حزبه الوطني، مردفاً: «أزحْنا عن الطاولة القبول بالحلول المرحلية». أمّا على الصعيد الداخلي، فليس «مقبولاً من أحد أن يفرض برنامجه السياسي على الآخر كشرط لإتمام المصالحة». وفي الملفّ الدولي، اعتبر أن «الحرب الروسية الأوكرانية ستؤسّس لنهاية الهيمنة الأميركية على العالم العربي»، من دون أن ينسى الإشادة بالدورَين الإيراني والسوري، إذ استذكر الفدائي، ظافر الإيراني، منفّذ أول عملية فدائية في تاريخ الصراع الفلسطيني، ومشيداً بـ«قلب العروبة» ورئيسها بشار الأسد. في ما يلي، حوار أجرتْه «الأخبار» مع مزهر حول تلك المواقف وغيرها.

ذهبتُم إلى الجزائر بعد جولة طويلة من اللقاءات في عدد من العواصم، مَن يحاول فرض شروطه في ملفّ المصالحة، أي مَن يعطّلها عملياً؟
المصالحة بحاجة إلى إرادة سياسية وقرار وطني، وأنا أقول لك بشكل واضح إن مفتاح الحلّ بيد الرئيس أبو مازن، هو الذي من الممكن أن يبدأ بها، سواء بالدعوة أو التطبيق أو التنفيذ. الاشتراطات حقيقية، لاحظنا أن المصالحة تعطّلت عندما وُضعت اشتراطات الاعتراف بقرارات الرباعية الدولية، ولا يحق لأحد أن يفرض برنامجه على الآخر. «منظّمة التحرير» تشكّلت في إطار التعددية، لسنا نسخة كربونية عن أحد، الذي يجمع الفلسطينيين هو برنامج القواسم المشتركة، ووثيقة الوفاق الوطني. بمجرّد الحديث عن مِثل هذه الاشتراطات، هذا أمر يعطّل المصالحة ويضع عقبات أمامها.

ما الداعي اليوم إلى «إزاحة الحلول المرحلية عن الطاولة»، والعودة إلى التمسّك بالحلّ الجذري الاستراتيجي للقضية الفلسطينية؟
الجبهة الشعبية لم تُزِح في يومٍ الحلَّ الاستراتيجي عن الطاولة، ظلّت تنادي به حتى عندما وافقت على دولة في حدود 1967، ووضعت شرط عدم الاعتراف بالاحتلال، باعتبار الحلّ المرحلي جسراً نحو التحرير الكامل. لكن، لاحظنا أن الحلّ المرحلي كان بوّابة لتقديم المزيد من التنازلات أمام الموقف الإسرائيلي الواضح، الذي داس حتى اتفاقية أوسلو، ويريد اليوم ضمّ الضفة كلّها. لذا، نحن نقول اليوم نحن مع فلسطين، كلّ فلسطين من النهر إلى البحر. هذا الكيان هو كيان لقيط، جيء به من كلّ أصقاع الدنيا لكي يقام له وطن على أنقاض الشعب الفلسطيني. ومن هنا، التمسّك بالمقاومة والوحدة الوطنية، يمكن أن يُبنى عليه موقف عربي ودولي. لكن للأسف، حالة الانقسام تضعف الشعب الفلسطيني، ومراهنة البعض على الأميركي أو الإسرائيلي قادت إلى مزيد من التأزّم.
من حق شعبنا الاستفادة من ثرواته وأن يعيش بكرامة، ولا يمكن أن نقبل بمقايضة الأوضاع المعيشية بالمقاومة


هل تساوركم هواجس بأن تكون اتفاقية الغاز الأخير مع السلطة الفلسطينية، بوّابة لفرض واقع ميداني يقضي بتعطيل المقاومة ولو مرحلياً؟
من حق شعبنا الاستفادة من ثرواته وأن يعيش بكرامة، ولا يمكن أن نقبل بمقايضة الأوضاع المعيشية بالمقاومة. نقول إن الغاز من حقنا، ويجب أن لا يكون هذا الأمر محلّ مقايضة أو ابتزاز من العدو الصهيوني، وأن لا يكون على حساب التمسّك بالمقاومة.

هذا الذي يجب، لكن إذا كانت هذه الاتفاقية مُرافِقةً للابتزاز، وهو سلوك معروف عن الإسرائيلي، ما موقفكم حينها؟
نحن لا يمكن أن نقبل بالابتزاز، ونعتبر أن الغاز هو حق للشعب الفلسطيني، ويجب أن يخضع للتفاهم الوطني الداخلي، من دون أن تتبع ذلك تنازلات على صعيد المقاومة. الشعب الفلسطيني لا يناضل لأجل مكتسبات معيشية، لذا لا نقبل برشاوى اقتصادية مقابل الثوابت الوطنية.

أيّ دلالة يحملها إحياء حفل انطلاق «الجبهة الشعبية» في هذا العام في سوريا ودول الطوق العربي؟
سوريا قلب العروبة النابض، وهي ركن أساسي في محور المقاومة، وهي توفّر الدعم العسكري للمقاومة، وهي في خطّ الممانعة الأوّل، وإحياء الانطلاقة فيها يعكس الدور السوري الذي تحافظ عليه دمشق، حيث تحضن المقاومة وتقع في خندق واحد مع فلسطين.

شاركتُم في لقاء الوفد الفصائلي مع الرئيس بشار الأسد، كيف تنظرون إلى عودة العلاقات «الحمساوية» - السورية؟
نحن نرحّب وندعم عودة هذه العلاقات، وهي داعمة لمحور المقاومة في مواجهة الصهيونية والإمبريالية العالمية. هذا لقاء مهمّ وصريح، وهو يمثّل بداية لعودة العلاقات بين حركة «حماس» ودمشق.

كيف كانت أجواء اللقاء بالأسد؟
كانت أجواء رائعة وفيها مودّة وحميمية، وأبدى الرئيس بشار الأسد حرصاً على استعادة العلاقات والقفز عن المرحلة السابقة، وعكَس تمسّكه بموقفه السياسي الثابت، وهو احتضان القضية الفلسطينية.

كيف تنظر «الجبهة الشعبية» إلى الحكومة اليمينية الجديدة؟ وما هي سبل التعامل معها من قِبَل الفصائل والسلطة؟
هذه الحكومة لا يمكن أن تختلف عن الحكومات السابقة وما مارسه الجميع من قتل وإرهاب. إذا ما استحضرنا بن غوريون، وهو أحد أركان حزب العمل، فقد ارتكب مجازر في دير ياسين؛ وشمعون بيريز اليساري أيضاً، ارتكب مجزرة قانا؛ وإسحاق رابين عُرف بسياسة تكسير العظام. جميعهم من مدرسة وحظيرة واحدة، تقوم على القتل والتدمير والإرهاب. هؤلاء لن يخيفوا الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة، بل سيزيدوننا إصراراً على مواصلة المقاومة والقتال. ومن المهمّ أن تفهم السلطة أن الحكومة الجديدة لديها مخطّط لتفكيكها وتحويلها إلى روابط قرى خدماتية لأمن الاحتلال، لذا يجب أن لا يراهن أحد على السلام والمفاوضات.

كيف تقرؤون الأوضاع الميدانية المتصاعدة في الضفة الغربية المحتلة؟
على رغم الإجرام الصهيوني، إلّا أن كلّ تلك الممارسات تقابَل بمقاومة شجاعة، يلتفّ حولها المئات من الشباب الفلسطيني، حيث إن الشارع يردّ على القتل بمزيد من المقاومة. هذه الموجة مهمّة جدّاً، ولن تتوقّف في أيّ حال من الأحوال. مرجل الضفة يغلي، الاستعداد للتضحية والفداء الذي نشاهده يؤكد أننا أمام انتفاضة ثورية لن تتوقّف، بل ستتمدّد، وهو ما نشاهده كلّ يوم.

كيف تنظرون إلى دور محور المقاومة على الصعيد الإقليمي والدولي؟
محور المقاومة من خلال دوره في التصدّي للمخطّط الأميركي والإسرائيلي، ساهم في فرملة المشروع الصهيوني. لذا، تعيش إسرائيل أزمات على المستوى الداخلي. وبتكاتف محور المقاومة، سيكون العدو أمام احتمالات أكبر للانهيار والسقوط.

على الصعيد الدولي، كيف تقرأ الجبهة الصراع الروسي - الأوكراني؟ وهل من تأثير له على القضية الفلسطينية؟
نحن نرى في نتاجات الحرب، إنهاءً للهيمنة الأميركية وسياسة القطب الأوحد التي تسيطر على هذا العالم، وتحاول نهب خيرات المنطقة عن طريق العدو الإسرائيلي، وتسعى لإخضاع روسيا والقوى الصاعدة في العالم مثل الصين. لذا، نحن نرى أن تلك الحرب تؤسّس لعودة عالم متعدّد الأقطاب، لن تكون الكلمة الوحيدة والعليا فيه لأميركا، وسينعكس ذلك على المنطقة، بمنع تفرّد إسرائيل، وعلى القضية الفلسطينية (...). التقينا برفاقنا الروس، وأكدوا لنا أن حقبة السيطرة الأميركية على العالم انتهت، وأنّنا سنكون أمام عالم جديد متعدّد الأقطاب تتحقّق فيه العدالة للشعوب المظلومة والمستضعَفة.

نائب الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»