رام الله | ودّعت مدينة جنين اثنَين من أبرز قادة كتيبتها، وهما قائد الكتيبة محمد السعدي و«رجل الظلّ» فيها نعيم الزبيدي، بعدما قضَيا في اشتباك مسلَّح مع قوات الاحتلال التي اقتحمت المخيّم فجر أمس، وخاضت معركة استمرّت ساعتَين، اعتقلت خلالها 4 مواطنين أيضاً وأصابت خامساً، فيما تمكّن مُقاتِلو المقاومة من استهداف جنود العدو بصلْيات كثيفة من الرصاص، قالوا إنهم حقّقوا إصابات مباشرة فيهم، واستهداف آلياتهم بعدد من العبوات المتفجّرة. وفي التفاصيل، فقد تسلّلت قوّة إسرائيلية خاصة من منطقة وادي برقين، عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، باتّجاه حي الهدف لاعتقال الشاب وسام الفايد، الذي تتّهمه سلطات الاحتلال بتفخيخ المركبة التي انفجرت قرب «ميفو دوتان» منذ أسبوع ونصف أسبوع، والتخطيط لعملية تفجيرية مماثلة في قلْب الداخل المحتلّ. واستطاعت تلك القوّة اعتقال الفايد، قبل أن تُواجِه نيراناً كثيفة ودقيقة أطلقها المقاومون عليها. وكانت «كتيبة جنين»، المجموعة التي تؤطّر أجنحة المقاومة المختلفة، الأقوى ميدانياً في الضفة الغربية والأكثر تماسكاً، لكن استشهاد السعدي (26 عاماً)، ورفيقه الزبيدي الذي يوصف في المخيّم بأنه «السند والحامي»، يُعدّ خسارة كبيرة لها، على رغم تأكيدها أن «استشهاد قادتها لن يكسرها»، وأنها «ستردّ على جريمة الاحتلال». وجاء اقتحام المخيم بعد ساعات فقط من إعلان الكتيبة استهداف مستوطَنة «شاكيد» بصلْيات كثيفة من الرصاص، توازياً مع تسجيل 46 عملية مقاومة في الضفة خلال 24 ساعة فقط، 3 منها إطلاق نار، و2 تفجير عبوات ناسفة، و6 إلقاء زجاجات حارقة ومفرقعات نارية، و7 تحطيم مركبات للمستوطِنين، في ما خلّف جميعها 5 إصابات في صفوف هؤلاء. ويشي هجوم فجر أمس بأن جنين باتت في دائرة الاستهداف المكثَّف، إثْر اتّخاذ المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية خطوات عدّة في الاتّجاه التصعيدي نفسه؛ إذ إن الهجوم جاء بعد ساعات من اقتحام بلدة يعبد القريبة من جنين، واعتقال المقاوم عبد الغني حرز الله عقب محاصَرة منزله في البلدة التي شهدت اشتباكاً مسلّحاً، ومواجهات مع المواطنين استشهد فيها الشاب محمد بدارنة. وأتى هذا التطوّر على إثْر اتّساع حالة الاشتباك من جنين ومخيّمها إلى ريفها أيضاً، وخصوصاً بلدتَي يعبد وجبع، التي بدأت كتيبتها تفرض حضورها المقاوم من خلال عمليات استهداف لجنود العدو وآلياته في المنطقة المحيطة بالقرية، والمستوطنات المُخلاة، ومعسكرات جيش الاحتلال.
تنبئ أحداث الأمس بارتفاع شهوة القتل لدى جيش الاحتلال


وتنبئ أحداث الأمس بارتفاع شهوة القتل لدى جيش الاحتلال، مدفوعةً بأجواء الدعم والحماية التي تُشيعها أطراف الحكومة الفاشية القادمة وأبرزهم إيتمار بن غفير الذي سيتولّى «وزارة الأمن القومي»، وتحريضهم المتواصل على قتْل الفلسطينيين، الذين شيّعوا خلال 72 ساعة فقط 9 شهداء في الضفة، في سلسلة جرائم أكدت فصائل المقاومة و«كتيبة جنين» أن «ردّها عليها قادم لا محالة»، وأنها «لن تمرّ مرور الكرام». وتُجمع معطيات عديدة متوفّرة على ترجيح تصعيد أمني إضافي في الضفة بشكل عام، ومدينة جنين بشكل خاص، لا أحد يضمن حصْر تداعياته في حيّز جغرافي ما. وفي سياق هذه المعطيات، يَبرز إعلان جيش العدو استيلاد كتيبة جديدة للعمل في الضفة باسم «النمر»، كجزء من العِبر والدروس المُستقاة من عملية «كاسر الأمواج»، والتي أظهرت ضرورة وجود كتيبة تعمل بدلاً من قوات الاحتياط التي يتمّ استدعاؤها لفترات زمنية طويلة. وإذ تُعدّ تلك الخطوة استجابة للمناخ السياسي العام في دولة الاحتلال، فهي تعكس في الوقت نفسه فشَل العملية المذكورة التي أطلقها العدو قبل 8 أشهر لاجتثاث المقاومة في جنين، وتحديداً عقب سلسلة هجمات فدائية في الداخل المحتلّ. وفي السياق المُشار إليه نفسه كذلك، يأتي تعيين قائد عسكري جديد لمنطقة جنين، هو أيوب كيوف المتحدّر من بلدة عسفيا والمنتمي إلى الطائفة الدرزية، في أعقاب حادثة احتجاز جثّة شاب درزي لدى المقاومين في جنين، أثارت وقتها لغطاً وردود فعل عديدة، وتهديدات من قِبَل بعض الجنود والضبّاط الدروز بالانتقام من الفلسطينيين. وإذ يستهدف هذا التعيين، بوضوح، تعميق الشرخ في ما بين الدروز وبقيّة الفلسطينيين، فهو يتطلّع أيضاً إلى تغذية شهوة الانتقام لدى الجنود.
في المقابل، لا تُخفي المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية خشيتها من تصاعُد عمليات المقاومة في الفترة المقبلة؛ حيث تتوقّع تقديرات أجهزة الأمن تزايُد الهجمات المُوجَّهة ضدّ أهداف إسرائيلية، لا في الضفة فحسب، وإنّما في الداخل المحتل، واشتدادها وتطوّر نوعيّتها. وتستند تلك التقديرات إلى مؤشّرات ميدانية عدّة، من بينها انفجار المركبة المفخَّخة التي كانت مُعدَّة لتنفيذ عملية فدائية قرب جنين قبل أسبوعَين، ومن ثمّ عملية القدس المزدوَجة والتي تتصاعد الخشية من تكرارها، فضلاً عن اكتشاف الأجهزة الأمنية الفلسطينية لاحقاً، وفق ما أفاد به الإعلام العبري، عبوات ناسفة في جنين، جرى إعدادها لتنفيذ عمليات فدائية في الداخل المحتلّ، واعتقاله الأشخاص ذوي العلاقة بها، قبل أن تأتي عملية اغتيال السعدي والزبيدي وتُعزّز التوقّعات المُشار إليها. إذ بحسب قناة «كان» العبرية، فإن «المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية تستعدّ لوقوع تصعيد بعد اغتيال قائد بارز في كتيبة جنين، فيما تسود خشية من إطلاق صواريخ من قطاع غزة، دفعت إلى وضْع قوات الجيش في حالة تأهّب». ويأتي ذلك في وقت يتواصل فيه الحديث عن ارتباط المقاومة في شمال الضفة بدعم وتمويل خارجي، بدأ بقطاع غزة وفصائل المقاومة وتحديداً حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وامتدّ وصولاً إلى إيران، في ما قد يمثّل، هو الآخر، عامل تصعيد إضافياً. وفي هذا الإطار، يرى الصحافي الإسرائيلي، يوني بن مناحم، في منشور على «تويتر»، أن «إيران على علاقة بموجة العمليات الحالية من خلال دعم حركة الجهاد الإسلامي بالمال والسلاح لإقامة تنظيم إرهابي جديد في شمال الضفة»، عادّاً ما تَقدّم «تطبيقاً لاستراتيجية قاسم سليماني التي كانت قائمة على تضييق الخناق حول إسرائيل وإضعافها».