صنعاء | لم ينقسم الشارع الرياضي اليمني على مدى السنوات الماضية من عمر الحرب، وظلّ يتعامل مع المشاركات الرياضية اليمنية الخارجية بروح رياضية خالية من تداعيات الصراع وتراكمات الانقسام السياسي والاقتصادي والعسكري. حتى رابطة مشجّعي المنتخبات الأوروبية في اليمن حافظت على وحدتها أيضاً. إلّا أن كأس العالم 2022 في قطر شكّل استثناءً من هذه القاعدة، إذ تسبّب بانقسام حادّ في الأوساط الرياضية اليمنية لأوّل مرّة منذ ثماني سنوات، وذلك على خلفية الأدوار المختلفة التي لعبتها الدوحة في اليمن خلال السنوات الماضية، ما جعلها في نظر كثيرين «دولة غير صديقة». ويأتي هذا الانقسام في وقت تعيش فيه البلاد هدنة غير معلَنة - يُستبعد انهيارها خلال فترة «المونديال» - يقول ناشطون سياسيون في صنعاء إن قطر كان لها دور في تثبيتها على مدى الأسابيع الفائتة، حتى لا يُستغلّ أيّ تصعيد عسكري لإفشال التظاهرة الرياضية في الدوحة.
أدوار مشبوهة
ينقسم اليمنيون حيال الدور القطري في بلادهم، والذي يصفه بعضهم بـ«المشبوه»، دافعاً إيّاهم إلى الانخراط في الحملة المنتقِدة لاستضافة قطر الفعالية الرياضية الأهمّ في العالم. ويستذكر الفريق المناهض لهذا الدور مشاركة الدوحة في «عاصفة الحزم» بقيادة السعودية مطلع عام 2015، كما يجادلون بوقائع كثيرة من بينها إنشاء قطر تشكيلات مسلّحة موالية لها في شمال غرب مدينة تعز، ودعمها المتواصل لميليشيات حزب «الإصلاح». أمّا الفريق الموالي لنظام الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح، فيتّهمها بالوقوف وراء ما آل إليه الوضع في اليمن، فيما يقف الموالون للإمارات على النقيض من الموالين لـ«الإصلاح»، الذين يبدون الأكثر حماساً لتنظيم الدوحة النسخة الحالية من بطولة كأس العالم. ولعلّ ما عمّق من ذلك الانقسام، هو تسييس مشاركة اليمنيين في فعاليات «المونديال»، وقصْرها تقريباً على الموالين لـ«الإصلاح». إذ أكد مصدر في وزارة الشباب والرياضة في حكومة الإنقاذ، لـ«الأخبار»، عدم تلقّي الوزارة أيّ دعوة للمشاركة، مضيفاً أن «المشاركين من اليمنيين تمّ انتقاؤهم على أسس حزبية»، وهو ما أثار امتعاضاً لدى كثيرين ودفَعهم إلى العزوف عن مشاهدة حفل الافتتاح.
تمّ انتقاء المشاركين في فعاليات كأس العالم في قطر على أسس حزبية


من جهته، يرى المحلّل الرياضي وعضو مؤسّسة «الفاو سبورت الدولية»، خالد شعفل، في حديث إلى «الأخبار»، أن اللجنة المنظِّمة لم تُراعِ الوضع الاستثنائي الذي يعيشه اليمن في ظلّ الحرب، موضحاً أن الخطأ الذي ارتكبتْه الدوحة وأدّى إلى انقسام الشارع الرياضي اليمني حولها، تَمثّل في «منْح قيادات كروية يمنية محسوبة على طرف العدوان مهمّة ترشيح المشاركين واختيارهم، ليتمّ وضْع معايير لا علاقة لها بالحدث الكروي العالمي، ما تسبّب بحرمان الكثير من القيادات الرياضية اليمنية من المشاركة في فعاليات المونديال، وكذلك حال دون مشاركة معظم نجوم الرياضة في صنعاء في الحدث». في المقابل، ينفي رئيس «المركز اليمني للدراسات والإعلام الرياضي»، عبد العزيز الفتح، أن تكون قطر قد منعت حاملي بطاقات «هيا» من المشاركة، مُدافعاً، في تصريح إلى «الأخبار»، بأن «استبعاد بعض حاملي البطاقة ناتج من خلل فني، ولم يكن مقصوداً».

تكلفة باهظة
يحتاج مشجّعو كرة القدم لشراء أجهزة استقبال خاصة، والاشتراك في شبكة «بي إن سبورت» مقابل 450 دولاراً، لكي يتمكّنوا من متابعة مباريات «مونديال قطر» بشكل مباشر وآمن من دون انقطاع البثّ، أو قرابة 100 دولار إذا رغبوا في مشاهدة فعاليات البطولة عبر الإنترنت. وفيما لجأ المقتدِرون مادّياً من مُحبّي «الساحرة المستديرة» في المدن الرئيسة إلى حجْز غرف في الفنادق التي أعلنت توفير خدمات مشاهدة البطولة بشكل مباشر، ناشد غير المقتدِرين السلطات المحلّية ورجال المال والأعمال توفير شاشات عرض في ميادين عامة، وهو ما تمّ بالفعل، لتتاح للآلاف من اليمنيين متابعة الفعاليات. من جهة أخرى، شهدت المتاجر الخاصة بيع مستلزمات كرة القدم في العاصمة صنعاء، إقبالاً كبيراً خلال الأيام الماضية، في حين تسابقت شركات الاتّصالات والبنوك في تمويل أغانٍ خاصة بالمناسبة والإعلان عن مسابقات مرتبطة بالفعاليات، التي أتاحت أيضاً فرصة كبيرة لمالكي الفنادق والاستراحات والصالات الكبيرة للتغلّب على حالة الركود التي يعانيها القطاع الخدمي في البلاد.