استبق الرئيس الأميركي، جو بايدن، لقاءه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بتأكيده مواصلة نهج أسلافه في تقديم الدعم المطلَق لإسرائيل، قاطعاً بما سُمّي «إعلان القدس»، وتشديده على «صهيونيّته وإن لم يكن يهودياً»، الطريق على أيّ مواقف لينة كان يمكن أن تُصدرها الفصائل الفلسطينية التي أبقت في حساباتها إمكانية إحياء المسار التفاوضي و«حلّ الدولتَين». وعلى مدار يومَين، شهدت مدن الضفة الغربية المحتلّة وقطاع غزة تظاهرات مندّدة بزيارة بايدن، فيما نظّمت فصائل المقاومة، أوّل من أمس، وقفة احتجاجية دانت فيها «إعلان القدس» والانحياز الأميركي المطلَق إلى دولة الاحتلال، بالتزامن مع تظاهرة أخرى جابت مدينة رام الله بدعوة من «التحالف الشعبي للتغيير»، وشارك فيها قادة سياسيون وممثّلو الفصائل، معلِنين رفضهم سياسة «السلام الاقتصادي» الذي يأتي على حساب الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، مقابل تحسين في الخدمات وصرف بعض المبالغ المالية. كما شارك العشرات في وقفة مماثلة نظّمتها «لجنة التنسيق الفصائلي» في مدينة نابلس (شمال)، وطالبوا بمقاطعة بايدن وعدم استقباله من قِبَل القيادة الفلسطينية. وفي صباح الجمعة، تظاهر المئات من الفلسطينيين أمام مستشفى المطلع في القدس، ورفعوا لافتات سوداء ذكّرت بايدن بأن حياة الفلسطينيين مهمّة، وأخرى طالبت بتحقيق العدالة للشهيدة شيرين أبو عاقلة. وعلى مستوى المواقف السياسية، اعتبر الأمين العام لـ«حركة الجهاد الإسلامي»، زياد النخالة، أن «نتائج زيارة بايدن للمنطقة معلومة سلفاً للشعب الفلسطيني، فهي تسعى لتأمين مصالح الولايات المتحدة وأمن العدو الصهيوني».
وشدّد النخالة، في تصريح صحافي، على أن «علينا كشعب فلسطيني وكمقاومة استخلاص العبر والتوقّف عن بناء الأحلام على هكذا حراك سياسي (...) طالما أنّنا لا نخلق مشكلة جدّية للعدو، فلا قيمة لكلّ التحليلات السياسية ولكلّ البيانات». ورأى القيادي في «الجهاد»، محمد الهندي، بدوره، أن «ذكر المقاومة في فلسطين ولبنان في ما يُسمّى إعلان القدس، يؤكد في أحد جوانبه فاعلية وتأثير وحضور فصائل المقاومة التي بات لا يمكن تجاوزها في أيّ ترتيبات إقليمية»، مؤكداً أن «بايدن على خُطى ترامب في ما يتعلّق بتوسيع دائرة التطبيع وتسييد الاحتلال في المنطقة والقفز عن القضية الفلسطينية». وفي الإطار نفسه، أشارت حركة «حماس»، في تصريح صحافي، إلى أن «إعلان القدس بَيّن نهج واشنطن في الانحياز إلى دولة الاحتلال، ودعم عدوانها ضدّ شعبنا الفلسطيني وأرضه ومقدّساته الإسلامية والمسيحية»، مضيفة أنه «يأتي استمراراً لمحاولة الإدارة الأميركية المشبوهة تصفية القضية الفلسطينية عبر دمج هذا الكيان الغريب في جسم أمّتنا العربية والإسلامية، وذلك تعبيراً عن فشل هذا الاحتلال في مواجهة حالة الرفض والنضال المستمرّ من شعبنا وقواه الحيّة، دفاعاً عن ثوابته الوطنية وحقّه في الحرية وتقرير المصير».
على مدار يومَين، شهدت مدن الضفة الغربية المحتلّة وقطاع غزة تظاهرات مندّدة بزيارة بايدن


وبعيداً عن الدلالات السياسية، تقرأ مصادر في المقاومة الفلسطينية الزيارة من ناحية عملية لوجستية، قائلةً في حديث إلى «الأخبار»، إن «القادة العسكريين الإسرائيليين ردّدوا أكثر من مرّة في أوقات سبقت الزيارة الأميركية، مفهوماً جديداً هو "الوزن"، ووضعوه أساساً للتعامل بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، وكذلك بين الأخيرة وحلفائها العرب»، مضيفة أن «إسرائيل أضْحت تلوّح بأهمية ما تسمّيه "قيمتها العسكرية القابلة للتفعيل" أو "الذخر الاستراتيجي" في وجه التهديدات التي تواجه الحلفاء»، متابعة أن «إسرائيل أضافت الوزن إلى مفاهيمِ استراتيجيةِ الجيش الإسرائيلي الأمنية الأربعة، وهي الردع والإنذار والدفاع والحسم (...) تريد إسرائيل الترويج لمفهوم "الوزن" لإقناع الولايات المتحدة الأميركية والمحيط العربي بأنها تقوم بدور مهمّ في خدمة مصالحهما، ولذا فهي تستحقّ عليه مزيداً من الدعم والشراكات في تطوير بعض أسلحتها غير الناضجة».
وفي الاتجاه نفسه، يرى الباحث السياسي، محمود أبو سالم، أن «أبرز انعكاسات الزيارة الأميركية، بعيداً عن التأثيرات السياسية، هو ما ستُحصّله المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من دعم لبعض أسلحتها التي لم تنضج بعد على نحو عملي»، معتبراً في حديثه إلى «الأخبار» أن «استعراض منظومات مثل القبة الحديدية ونظام الليزر ومقلاع داوود في مراسم استقبال بايدن، يؤكد أن استكمال تطوير تلك الأسلحة من خلال الشراكة في دعم مشاريعها، هو واحدة من أولويات الزيارة من وُجهة نظر إسرائيل». ويضيف أبو سالم أن بايدن، و«إن خذَل طموحات الإسرائيليين في استخدام القوّة لمعالجة الملف الإيراني، إلّا أن تاريخه في لقاء رؤساء وزراء إسرائيل، بدءاً بغولدا مئير، وبعدها إسحاق رابين ومناحيم بيغن وإسحاق شامير وشمعون بيريس وبنيامين نتنياهو وإيهود براك وأرييل شارون وإيهود أولمرت ونفتالي بينيت، ولقاءه الحادي عشر مع رئيس الوزراء الجديد، يئير لبيد، يؤكد أنه ليس هناك سياسي أميركي أكثر اطّلاعاً وفهماً لإسرائيل منه، وعليه فإنه سيقدّم لإسرائيل ما تطمح إلى تحصيله سواءً وُقّع الاتفاق النووي أو لم يُوقّع، وهو مزيد من التسليح والدعم المالي».
من جهته، يعتقد المحلّل السياسي المقرَّب من حركة «حماس»، فايز أبو شمالة، أن زيارة بايدن التي وضعت «استهداف قوى المقاومة على رأس سلّم أولوياتها»، ستدفع الفصائل إلى «تعميق حالة التشبيك والتحالف مع قوى المقاومة في المنطقة، ولا سيما حزب الله وإيران». ويشدّد أبو شمالة، في مقالٍ له، على أن «الردّ على الحلف الأميركي الإسرائيلي العدواني لا يكون من خلال بيانات الشجب والإدانة، الردّ يكون بتعزيز التحالف العربي الإسلامي في المنطقة، فطالما كان المستهدَف من إعلان القدس هو نهضة الأمة الإسلامية، فالردّ يكون بالتحالف مع كلّ القوى الرافضة للهزيمة والتبعية، وعلى رأس هذه الدول إيران، ويكفي الاستشهاد في هذا المقام بما قاله رئيس وزراء (إسرائيل) السابق، الذي اشترط تصفية أذرع المقاومة في غزة ولبنان بقطع رأس الأخطبوط في طهران». وفي السياق نفسه، تَوقّع مصدر مقرّب من قيادة حركة «حماس»، أن تُسهم الزيارة الأميركية في تسريع إعادة العلاقات بين الحركة ودمشق.