بعد أشهر قليلة من إصدار الرئاسة السورية قانون تجريم التعذيب في البلاد، صار «القانون الدولي الإنساني» واحداً من أكثر المصطلحات تداولاً بين المسؤولين السوريين، وفي وسائل الإعلام الحكومية، في ما عكس اهتماماً لافتاً، تُرجم أيضاً بمشروع «توعية» يشرف عليه نائب وزير الخارجية، بشار الجعفري، القادم من تمثيل سوريا في الأمم المتحدة، حيث بنى علاقة طويلة مع المنظّمات الدولية، وكذلك معرفة تراكمية بالاتفاقيات الدولية التي خبرها وشارك في التوقيع على بعضها نيابة عن بلاده، التي يبدو أنها تخوض حالياً تمريناً على مواءمة قوانينها المحلّية والقائمين على إنفاذ هذه القوانين، مع حقوق الإنسان. وتستبطن رئاسة الجعفري لـ«اللجنة الوطنية السورية للقانون الدولي الإنساني»، رسالة إلى الخارج بأن ثمّة تغييراً ما يَحدث في سوريا، في ظلّ ما تُتّهم به الأخيرة من انتهاكات منتظمة للقانون الدولي الإنساني خلال سنوات الحرب التي اندلعت عام 2011، ومن ذلك ما يَرد في تقرير لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن المعارك التي وقعت عام 2019 في إدلب، من «أنها شهدت أعمالاً ترقى إلى جرائم حرب، متمثّلة في شنّ هجمات عشوائية وهجمات متعمّدة على أهداف محميّة»، وأنه «يتّضح من الحملة العسكرية أن القوات الموالية للحكومة والإرهابيين المصنَّفين من الأمم المتحدة انتهكوا بشكل صارخ قوانين الحرب وحقوق المدنيين السوريين».
تفضّل أوساط المجتمع المدني وبعض الحقوقيين السوريين الانتظار لرؤية ماذا سيَحدث بعد هذه الورش

وإذ تنفي دمشق هذه الاتّهامات، مُتحدّثة، كما يجيء في رسالتها الأخيرة إلى مجلس حقوق الإنسان بنسخته لعام 2022، عن «وجود 9 آليات للأمم المتحدة تعمل على مدار الساعة على التشهير بالحكومة السورية»، عبر استقاء المعلومات من مصادر «تفتقر إلى المصداقية، ومخترَقة من قِبَل أجهزة استخبارات الدول الراعية للإرهاب، وبعض هذه الدول يحتلّ أجزاءً عزيزة من ترابنا الوطني»، فإن سوريا تشهد، بالفعل، هذه الأيام، سلسلة ورش في سبيل «بناء القدرات وتعزيز المعارف في مجال القانون الدولي الإنساني ومواكبة التطوّرات في إطار التزام سوريا به»، وفق التقديم الحكومي لتلك الورش. ويشمل هذا التمرين وزارة العدل التي درّبت عشرات القضاة على تنفيذ القانون تحت إشراف «اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، وكذلك فعلت وزارة الداخلية السورية المعنيّة بإنفاذ القانون، فيما تبدو لافتة مشاركة وزارة الدفاع السورية في التدريبات. وبحسب مصادر في وزارة الخارجية السورية تحدّثت إلى «الأخبار»، «يتمّ العمل على إعداد دليل خاص بالقوات المسلّحة السورية حول القانون الدولي الإنساني، من شأنه أن يزيد المعرفة لدى العسكريين على مختلف مستوياتهم بهذا الموضوع، والتأكّد من تطبيقه خلال العمليات العسكرية حالياً أو مستقبلاً بما يضمن الحفاظ على حقوق الإنسان خلال الحرب والمعارك».
وفي قراءتها لتلك الخطوة، تفضّل أوساط المجتمع المدني وبعض الحقوقيين السوريين الذين تحدّثت معهم «الأخبار»، الانتظار لرؤية ماذا سيَحدث بعد هذه الورش. ويقول حقوقي سوري يعمل في دمشق، فضّل عدم ذكر اسمه، إنه «من حيث الشكل، تبدو تلك الأنشطة خطوة إيجابية في سبيل الوصول إلى أفضل معرفة وتطبيق للقوانين الإنسانية خلال الحرب، لكن لتقييم التجربة فإننا بحاجة إلى أن ننتظر ونرى كيف سيكون التطبيق لاحقاً». ومن جهته، يَلفت المتحدّث باسم «الصليب الأحمر»، عدنان حزام، إلى أن «الورش الجارية حالياً تأتي بالتنسيق بين اللجنة الوطنية السورية للقانون الدولي الإنساني، واللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تُعتبر الحارس للقانون الدولي الإنساني وتهدف إلى رفع الوعي به لدى الجهات الحكومية السورية أو المعنيّة بإنفاذه، وهي تأتي في إطار الدعم والدور الاستشاري الذي تقدّمه اللجنة في سوريا في سبيل مساعدة الحكومة السورية على تطبيق القانون وإبرازه في تشريعاتها الوطنية».