الخرطوم | بدأت الآلية الثلاثية في السودان، والتي تضمّ إلى الأمم المتحدة كلّاً من «الاتحاد الأفريقي» و«الهيئة الحكومية للتنمية» (إيغاد)، المرحلة الثانية من التشاور مع الأحزاب السياسية والقوى المدنية، بهدف الاستماع إلى وجهات نظرهم حول كيفيّة تشكيل أجهزة الحكم، تمهيداً للبدء في حوار سوداني - سوداني، من خلال «مقاربة متكاملة وغير إقصائية» للخروج من المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد منذ سبعة أشهر. وكان القائمون على هذه الآلية فشلوا في إطلاق الحوار، نتيجةَ تحفُّظ بعض القوى السياسية على أجندته؛ إذ ترى فيه تكراراً لما حدث خلال المفاوضات التي أعقبت مجزرة القيادة العامة، والتي تمخّضت عنها الوثيقة الدستورية، في إطار الشراكة بين المكوّنَين المدني والعسكري، في آب 2019. واستُهلّت الجولة الثانية من المشاورات، نهاية الأسبوع الماضي، بالاجتماع إلى «مجموعة دعم حقوق المرأة» و«الجبهة الثورية» التي أتى بها إلى السلطة «اتفاق جوبا للسلام»، لتتشاركها، راهناً، مع المكوّن العسكري. وأعقب ذلك، في مطلع هذا الأسبوع، لقاء مع وفد من «مركزيات لجان المقاومة» و«تنسيقيات لجان المقاومة» في ولاية الخرطوم.
لا تزال القوى السياسية السودانية في حالة من التذبذب في مواقفها (أ ف ب)

ونقل وفد «لجان المقاومة» إلى أطراف الآلية الثلاثية، موقفه من العملية السياسية، والمستند إلى «ميثاق تأسيس سلطة الشعب»، مؤكداً تمسّكه باللاءات الثلاث: «لا تفاوض، لا شراكة ولا شرعية» للسلطة الانقلابية. وليس بعيداً من موقف اللجان، رأى «الحزب الشيوعي» أن الجهود الأممية والأفريقية ما هي إلّا «تأييد لإفلات المنتهكين من العقاب»، معتبراً، في خطاب إلى الآلية الثلاثية ردّاً على الدعوة التي تلقّاها للقاء أعضائها، أن «الدعوة جزء من خطّتكم للتفاوض غير المباشر مع السلطة الانقلابية»، بعد فشل التفاوض المباشر. وأكّد أنه، هو الآخر، متمسّك بعدم التفاوض مع السلطة، لافتاً إلى «الخطأ» الذي تتعامل الجهات الوسيطة بموجبه، إذ لا تزال، بحسبه، تقرأ الأزمة السودانية على أنها خلاف بين القوى السياسية والعسكر ينبغي حلُّه بالتفاوض، فيما «لا تستوعب أن هناك ثورة شعبية مستمرّة منذ انقلاب العسكر، وأن الثورة تهدف لإطاحة السلطة الانقلابية وإقامة دولة مدنيّة ديموقراطية».
يبدو أن الإسلاميين غير راضين عن أداء رئيس «المجلس السيادي» عبد الفتاح البرهان


وكان «حزب الأمّة»، من جهته، قد دفع بمقترح يمنح العسكر السلطة على مجلس الأمن والدفاع، شرط أن يكون الأخير تحت إشراف رئيس وزراء مدني. وهو مقترح يكرّس، بحسب متابعين، سلطة العسكر، على اعتبار أن المجلس سيتحكّم بالقوّة العسكرية، وبالتالي ستكون ثمّة إمكانية أمامه لانقلاب جديد على أيّ سلطة لا تأتي بمزاجه. وفيما توحّدت «القوى الثورية» حول «ميثاق سلطة الشعب» بهدف «إسقاط الانقلاب وهزيمة المخطّطات» التي تهدف إلى التسوية مع العسكر، لا تزال القوى السياسية في حالة من التذبذب في مواقفها، وهو ما يصعّب من مهمّة الآلية الثلاثية التي تعمل على أرضية غير ثابتة. ويقول الكاتب عادل عبد الرحيم، في هذا الإطار، إن «الآلية والعسكر يعتبران أن الأزمة سياسية، بينما يقول المدنيون وقوى الثورة إنها ثورة»، مضيفاً أن «من معوّقات عمل الآلية أيضاً، عدم توحُّد القوى السياسية المختلفة على مبدأ الحوار، وصولاً إلى كيفية تحقيق أهدافه في إقامة حكم مدني».
على الجانب الآخر، وبحسب رأي محلّلين، فإن الإسلاميين، كما يبدو، غير راضين عن أداء رئيس «المجلس السيادي»، عبد الفتاح البرهان، على الرغم من مضيّه في تمكينهم في المرافق الحيوية للدولة، وآخر وجوه ذلك تعيين أحد رموزهم مديراً لشركة «زادنا»، إحدى أضخم الشركات التي يسيطر عليها الجيش.