أكدت العملية البطولية في «إلعاد»، التي تقع وسط كيان العدو، والقريبة نسبياً من تل أبيب، أن ما تواجهه إسرائيل من عمليات ليس حالة عابرة، وإنّما مسار متواصل له وتيرته التي يحدّدها الشعب الفلسطيني وفصائله المقاوِمة وظروف الميدان، وهي حقيقة أصبحت راسخة أكثر لدى مؤسسات التقدير والقرار في كيان الاحتلال، عبّر عنها أكثر من مسؤول إسرائيلي.وتنبع الأهمية المتزايدة لعملية «إلعاد»، أيضاً، من كونها حلقة في سلسلة متواصلة سيليها المزيد من العمليات البطولية المشابهة، كما يتخوّفون في تل أبيب، ومن كون نتائجها لا تقتصر فقط على عدد القتلى والجرحى الذين سقطوا فيها، وإنّما لأنها جاءت بعد إجراءات أمنية واسعة في الضفة والداخل الإسرائيلي هدفت إلى منْع تكرار عمليات مشابهة لما حدث في تل أبيب وبئر السبع والخضيرة وبني براك. ولأنها كذلك، دفعت رئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، إلى القول: «لقد فشلنا»، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت». ويؤشّر اعتراف كوخافي إلى إنجاز المقاومين في تخطّي إجراءات العدو من الضفة الغربية إلى الداخل الإسرائيلي، وصولاً إلى منطقة تل أبيب، كما يكشف عن تكيّفهم مع إجراءاته وقدرتهم على الالتفاف عليها. المؤشر الكاشف الإضافي للأبعاد الخطيرة لهذه العملية، صدر على لسان مستشار رئيس الحكومة السابق لشؤون الأمن القومي، مئير بن شبات، الذي حذّر من تداعيات تنفيذ عمليات مشابهة لما سبق، على اعتبار أن ذلك سيكون مدمّراً للمجتمع الإسرائيلي. ولم تمرّ سوى أيّام معدودة على تحذيره هذا، حتى تحقّق الكابوس الذي تخوّف منه في قلْب الكيان الإسرائيلي في «إلعاد». ويبدو واضحاً أن توصيف مخاطر تنفيذ عملية إضافية في قلْب الكيان، ينبع من تقديره لوقعها على المجتمع الإسرائيلي لجهة تعميق شعوره بفقدان الأمن، وتعزيز فقدان الثقة بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي تشكّل خط دفاعه المباشر في مواجهة التهديدات التي يتعرّض لها، وخاصّة أن العملية أتت بعدما أخذ العدو وقته في اتخاذ إجراءاته الوقائية والدفاعية، وتعزيز عملياته الإحباطية، وبعد تعزيز قوات الشرطة بكتائب من الجيش ونشر كتائب نظامية في الضفة الغربية.
من الواضح أن من النتائج السياسية القاسية أيضاً لسلسلة العمليات تعميق أزمة حكومة بينت


بعدٌ آخر تحمله سلسلة العمليات الأخيرة التي شهدتها فلسطين، وهو أنها أتت عشية المناورة الكبرى التي يستعدّ لها جيش العدو والتي يفترض أنها تجري وفق فرضية خوْض مواجهة عسكرية على عدة جبهات. لكن توالي العمليات في الداخل الإسرائيلي، كشف عن أن الداخل الفلسطيني ــــ الإسرائيلي تحوّل إلى جبهة إضافية، ستشكّل، في حال تطوّرها، عبئاً كبيراً وعقبة جدية أمام حركة جيش العدو. ونتيجة هذا المستجدّ الذي يتخوّف الاحتلال من كونه يؤسّس لسيناريوات أكثر خطورة، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينت، أنه أوعز إلى مجلس الأمن القومي بمشاركة وزارة الأمن الداخلي، بإعداد خطة لتشكيل حرس وطني ــــ مدني، في خطوة تكشف عن إقرار المؤسسة السياسية بمحدودية قدرات الجيش والشرطة وحرس الحدود في الحؤول دون استمرار الضربات في العمق الإسرائيلي.
ويبدو من المعطيات التي تَحضر لدى جهات القرار في كيان العدو، مقارنةُ ما يجري في هذه المرحلة مع «انتفاضة السكاكين» التي شهدتها إسرائيل عام 2015، واستمرت نحو سنة، وأدّت إلى مقتل 50 إسرائيلياً. وتُعدّ هذه السلسلة، بحسب مصادر أمنية إسرائيلية، الأكثر فتكاً وتأثيراً في الواقع الإسرائيلي. ولا يقلّ توقيت عملية «إلعاد» دلالةً، كونها أتت بالتزامن مع ذكرى إعلان قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948، في رسالة صريحة من الشعب الفلسطيني بأنه عازم على مواصلة مقاومته، على رغم التآمر والخذلان من الدول العربية المطبّعة، وكجزء من الردّ على سياسة التطبيع، وبهدف إحباط أهمّ أهدافه بتهميش القضيّة الفلسطينية وتصفيتها. ومن الواضح أن من النتائج السياسية القاسية أيضاً لسلسلة العمليات، تعميق أزمة حكومة بينت، التي تعاني اهتزازات سياسية بفعل الانشقاقات التي تعرّضت لها، ووضعها أمام خيارات وسيناريوات أكثر تعقيداً تجاه الداخل والخارج كونها لا تملك خيارات حاسمة تستطيع من خلالها أن توفر حلاً جذريّاً، على قاعدة «ضربة وانتهينا».
في ضوء ذلك، تجد إسرائيل نفسها أمام معادلة محكومة بمجموعة قيود، وتضعها إجمالاً أمام نوعين من الخيارات، كلاهما يستبطن مخاطر من نوع مختلف. فإذا بادرت إلى عمليات اغتيال صاخبة لأحد قادة أو كوادر فصائل المقاومة، فهي لن تؤثّر على قرار المقاوم الفلسطيني الذي يتّخذ قراره ذاتياً وفردياً بتنفيذ العمليات، بل إن ذلك سيؤدّي إلى ردود فعل صاروخية تتدحرج نحو مواجهة عسكرية واسعة، ستكون في أقلّ السيناريوات مشابهة لمعركة «سيف القدس»، ومن ثم العودة إلى المعادلة الحالية. وهذا دونه أيضاً تعقيدات ومخاطر أخرى. وإذا امتنعت عن خيار بهذا المستوى، فهي توجّه بذلك رسالة تكشف فيها عن ضيق خياراتها التي ستساهم في تقويض صورتها الردعيّة في مواجهة الواقع الفلسطيني. ومع كل ذلك، من الصعب أن يبقى العدو مكتوف الأيدي في حال تواصل العمليات.