من الواضح أن من النتائج السياسية القاسية أيضاً لسلسلة العمليات تعميق أزمة حكومة بينت
بعدٌ آخر تحمله سلسلة العمليات الأخيرة التي شهدتها فلسطين، وهو أنها أتت عشية المناورة الكبرى التي يستعدّ لها جيش العدو والتي يفترض أنها تجري وفق فرضية خوْض مواجهة عسكرية على عدة جبهات. لكن توالي العمليات في الداخل الإسرائيلي، كشف عن أن الداخل الفلسطيني ــــ الإسرائيلي تحوّل إلى جبهة إضافية، ستشكّل، في حال تطوّرها، عبئاً كبيراً وعقبة جدية أمام حركة جيش العدو. ونتيجة هذا المستجدّ الذي يتخوّف الاحتلال من كونه يؤسّس لسيناريوات أكثر خطورة، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينت، أنه أوعز إلى مجلس الأمن القومي بمشاركة وزارة الأمن الداخلي، بإعداد خطة لتشكيل حرس وطني ــــ مدني، في خطوة تكشف عن إقرار المؤسسة السياسية بمحدودية قدرات الجيش والشرطة وحرس الحدود في الحؤول دون استمرار الضربات في العمق الإسرائيلي.
ويبدو من المعطيات التي تَحضر لدى جهات القرار في كيان العدو، مقارنةُ ما يجري في هذه المرحلة مع «انتفاضة السكاكين» التي شهدتها إسرائيل عام 2015، واستمرت نحو سنة، وأدّت إلى مقتل 50 إسرائيلياً. وتُعدّ هذه السلسلة، بحسب مصادر أمنية إسرائيلية، الأكثر فتكاً وتأثيراً في الواقع الإسرائيلي. ولا يقلّ توقيت عملية «إلعاد» دلالةً، كونها أتت بالتزامن مع ذكرى إعلان قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948، في رسالة صريحة من الشعب الفلسطيني بأنه عازم على مواصلة مقاومته، على رغم التآمر والخذلان من الدول العربية المطبّعة، وكجزء من الردّ على سياسة التطبيع، وبهدف إحباط أهمّ أهدافه بتهميش القضيّة الفلسطينية وتصفيتها. ومن الواضح أن من النتائج السياسية القاسية أيضاً لسلسلة العمليات، تعميق أزمة حكومة بينت، التي تعاني اهتزازات سياسية بفعل الانشقاقات التي تعرّضت لها، ووضعها أمام خيارات وسيناريوات أكثر تعقيداً تجاه الداخل والخارج كونها لا تملك خيارات حاسمة تستطيع من خلالها أن توفر حلاً جذريّاً، على قاعدة «ضربة وانتهينا».
في ضوء ذلك، تجد إسرائيل نفسها أمام معادلة محكومة بمجموعة قيود، وتضعها إجمالاً أمام نوعين من الخيارات، كلاهما يستبطن مخاطر من نوع مختلف. فإذا بادرت إلى عمليات اغتيال صاخبة لأحد قادة أو كوادر فصائل المقاومة، فهي لن تؤثّر على قرار المقاوم الفلسطيني الذي يتّخذ قراره ذاتياً وفردياً بتنفيذ العمليات، بل إن ذلك سيؤدّي إلى ردود فعل صاروخية تتدحرج نحو مواجهة عسكرية واسعة، ستكون في أقلّ السيناريوات مشابهة لمعركة «سيف القدس»، ومن ثم العودة إلى المعادلة الحالية. وهذا دونه أيضاً تعقيدات ومخاطر أخرى. وإذا امتنعت عن خيار بهذا المستوى، فهي توجّه بذلك رسالة تكشف فيها عن ضيق خياراتها التي ستساهم في تقويض صورتها الردعيّة في مواجهة الواقع الفلسطيني. ومع كل ذلك، من الصعب أن يبقى العدو مكتوف الأيدي في حال تواصل العمليات.