طوال السنوات الماضية، حاول رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي»، عيدروس الزبيدي، تقديم نفسه على أنه الممثّل الوحيد لما كان يسمّى سابقاً «دولة الجنوب العربي»، أي المحافظات الجنوبية والشرقية اليمنية، حتى إن أنصاره يطلقون عليه صفة «السيّد الرئيس»، كدلالة عن قرْب تحقيق حلم استعادة الدولة بفكّ ارتباطها عن الشمال. لكن الرجل أُجبر، في مشاورات الرياض الأخيرة، على المشاركة في «مجلس القيادة الرئاسي»؛ وإن كان الإعلام المؤيِّد له - المموَّل إماراتياً - سعى إلى الترويج لمعلومة أن الزبيدي عُيّن نائباً لرئيس المجلس، فقد تناسى أنه بات يجمع صفتَين متناقضتَين: تحمل الأولى بذور الانفصال وتقرير المصير، فيما تتشبّث الثانية بالوحدة. ولم يطل الوقت حتى تبيّن أن الزبيدي، الذي فرض حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب في «اتفاق الرياض» (2021)، ليس سوى عضو واحد من أصل ثمانية هم مجموع أعضاء المجلس يحملون صفة بوّاب الرئيس، وليس النائب الوحيد له. وفيما حاول الإعلام السعودي والإماراتي التعويض على رئيس «الانتقالي»، بإبراز دوره وتغطية لقاءاته السياسية، إلّا أن عمليات التجميل هذه، سقطت عند أوّل رحلة للطائرات المدنية السعودية وهي تقلّ أعضاء «الرئاسي» ومجلسَي النواب والشورى اليمنيَّيْن إلى مطار عدن.
أوقع الزبيدي نفسه في ازدواجية مكشوفة بين التمسّك بالأهداف المعلَنة بالانفصال وتبوّؤ منصب في «مجلس القيادة»

نجحت القوى السياسية التاريخية في اليمن - «المؤتمر الشعبي العام» (جناح الرياض)، و«التجمّع الوطني للإصلاح) (إخوان) - في إعادة إنتاج نفسها وتكريس وجودها في صيغة الحُكم الجديدة المتمثّلة بـ«مجلس القيادة الرئاسي». ويبدو أن البرنامج السعودي لإدارة المرحلة المقبلة، يقتضي اتّخاذ مدينة عدن مقرّاً موقّتاً لكلّ القيادات السياسية والعسكرية والحكومية، وإلزام قياداتها بالعمل والسكن فيها، ما تقدَّم، أثار حفيظة فئات جنوبية وازنة اعتبرت ما جرى «استفزازاً وقحاً للجنوب، وتجاوزاً لكل الخطوط الحمر، ونسفاً للتضحيات التي ناضل من أجلها الجنوبيون، وتفريطاً بأحقيّة القضيّة الجنوبية» (يُذكر أن البيان الختامي لمشاورات الرياض ذكر قضيّة الجنوب مواربةً، إذ نصّ على «اتفاق المتشاورين على إدراج قضية شعب الجنوب في أجندة مفاوضات وقف الحرب لوضع إطار تفاوضي خاص لها في عملية السلام الشاملة»). هكذا، وجد أبناء المحافظات الجنوبية أنفسهم أمام نسخة منقّحة لمنظومة «7/7» (المؤتمر والإخوان) التي اجتاحت محافظاتهم عام 1994، وتسبّبت بكل مآسي هذه المنطقة. ولا شكّ في أن الارتباط الخارجي لـ«الانتقالي»، بالتحديد مع الإمارات، والحرص على عدم إغضاب السعودية، فرضا عليه الدخول في شراكات مع أطراف لا تقارب القضية الجنوبية من الزاوية نفسها، بل إن معظمها تسبّب بما لحق بالجنوبيين من مآسٍ.
في الوقت الحالي، يمرّ «الانتقالي» في مرحلة مربكة وحرجة، لأن رئيسه الزبيدي، أوقع نفسه في ازدواجية مكشوفة بين التمسّك بالأهداف المعلَنة بالانفصال وتبوّؤ منصب في «مجلس القيادة» الساعي إلى تثبيت الوحدة والعمل بمقتضياتها وترسيخ الهوية اليمنية الوطنية وفق مفهوم لا يراعي مصالح «الانتقالي» وأهدافه. وفيما حاول الزبيدي التحايل على الواقع، مطلقاً تصريحات يتمسّك فيها بانفصال الجنوب، إلّا أن مصادر مطّلعة ترى أنه بحذفه كلمتَي «وحدة الوطن» و«النظام الجمهوري» من قَسَم اليمين الدستورية، إنّما مارس تحايلاً أراد من خلاله تبرئة نفسه أمام أنصاره من أيّ تفاهمات غير معلنة. يُذكر أن «الانتقالي»، وبدعمٍ من أبو ظبي، يقود، منذ إنشائه عام 2017، جهوداً مكثّفة للانفصال عن الشمال. واليوم، يسيطر، مع الخاضعين لقيادته، على أربع محافظات في الجنوب الغربي، هي: عدن ولحج وأبين والضالع، مع نفوذ نسبي في المحافظات الشرقية. إلّا أنه لا يمتلك، في الوقت الراهن، أوراقاً كافية للمناورة السياسية.