القدس | للعام الثاني على التوالي، يتزامن عيد «الفصح اليهودي» مع شهر رمضان. ومن طقوس «الفصح»، اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى وأداء طقوس تلمودية، إضافة إلى طقوس أخرى، أبرزها: ذبح القربان داخل المسجد، أو ذبحه خارجاً ثم نثر دمه في صحن قبة الصخرة. وفي شهر رمضان، العام الماضي، كان اقتحام المستوطنين للأقصى في عيد الفصح عاملاً رئيساً في اندلاع معركة «سيف القدس»، حيث منع الفلسطينيون المرابطون في المسجد، المستوطنين من اقتحامه. لكنّ هذا العام، وفي ظلّ جهود دولية وإقليمية هائلة للتهدئة، وتمرير شهر رمضان من دون تصعيد كبير، توهّم قادة المستوطنين المتطرّفين بإمكانية تصعيد نشاطاتهم، ولم يكتفوا بالاقتحامات، بل أطلقوا دعوات مكثّفة لـ«ذبح القرابين» داخل الأقصى، مع الإعلان عن رصد مكافآت مالية لأيّ مستوطن ينجح في ذبح القربان، أو يتمّ اعتقاله أثناء الذبح أو قبله. لكنّ تهديدات المقاومة الفلسطينية للعدو ورسائلها الواضحة عبر الوسطاء، وصمود المرابطين والمعتكفين في المسجد الأقصى، حالت دون ذبح القرابين، بعدما شدّدت الشرطة الإسرائيلية حراستها على أبوابه، وضبطت نحو ستّة مستوطنين، بعضهم متنكّر بملابس عربية، في محاولة منهم للدخول إلى المسجد.وليلة الجمعة الماضية، وصل نحو ألفَي معتكف لـ«الرباط» في المسجد الأقصى، قبل ساعات من الموعد المفترض لاحتمال ذبح القرابين، واقتحام المستوطنين. يقول أحد المرابطين، لـ«الأخبار»، إن «المصلّين في تلك الليلة، قدِموا من مناطق مختلفة في القدس والداخل المحتل عام 1948، والضفة الغربية، واستعدّوا لصدّ اقتحام شرطة العدو والمستوطنين، إذ أحضروا السواتر الحديدية والخشبية، وجمعوا الحجارة، وأدخلوا مفرقعات نارية». وإن لم يكن بمقدور هؤلاء العزّل منع الاقتحام كلياً، إلّا أن «الهدف كان إفهام العدو، أن الاقتحام لن يمرّ بهدوء على الأقلّ، لأن المستوطنين، وفي حال تمكّنوا من الاقتحام دون مواجهة، فهذا سيشجّعهم على خطوات تصعيدية تالية»، بحسب المرابط. وبعد ثوانٍ من اقتحام أوّل مجموعة من الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى، انهال الشبّان عليها بالمفرقعات النارية والحجارة، وتحوّلت ساحات الأقصى إلى «ساحة قتال». وأثار تصدّي المرابطين الفلسطينيين لاقتحام الشرطة، غضب قائدها في القدس، الذي قاد شخصياً الاقتحام الأوّل. حيث أعاد الكرّة، ونفّذ اقتحاماً ثانياً، ارتكب فيه عناصر شرطته انتهاكات غير مسبوقة. وفي العادة، كان الجيش الإسرائيلي يطلق الرصاص المطّاطي على الشبان في الساحات، ويُلقي قنابل الصوت والغاز داخل المصلّى القبلي، من دون اقتحامه، لكنّ هذه المرة قرّر العدو اقتحام المصلّى، بعد استنفاد كل الوسائل لإرغام الشبّان المرابطين على الخروج منه. كما بادر بالهجوم على المصلّين عقب صلاة الفجر، لأنه أدرك أنه لن يجرؤ على اقتحام المسجد الأقصى ظهر الجمعة، لأن ذلك سيعني بالضرورة اندلاع تصعيد واسع، بسبب عدد المصلّين الذي يزيد على 70 ألفاً خلال الجمعة الأولى من رمضان. وانتهى الاقتحام الكبير للمسجد الأقصى، بإفراغ المصلّى القبلي، واعتقال أكثر من 400 فلسطيني من داخله، وإصابة 158 آخرين.
انتهى الاقتحام بإفراغ المصلّى القبلي واعتقال أكثر من 400 فلسطيني


وخلال اليومين الماضيين، تواصلت المواجهات في المسجد الأقصى، لكنّ المستوطنين تجنّبوا الوصول إلى الأماكن التي يتركّز فيها المرابطون. وتذمّرت وسائل الإعلام الإسرائيلية من قلّة أعداد المقتحمين، إذ علّقت إذاعة الجيش، قائلة: «صلوات (بركة الكهنة) في حائط البراق، بدأت بمشاركة نحو 1500 مستوطن، وهذا عدد ضئيل مقارنة بالسنوات السابقة»، فيما قال الصحافي الإسرائيلي، يائير ليفي، إن رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزيرة داخليته، نجحا في تخويف المستوطنين في القدس، حيث يتواجد عدد قليل من المستوطنين في حائط البراق، ويكاد يكون فارغاً مقارنة بالسنوات السابقة. وبحسب متابعة «الأخبار»، فقد أصيب 25 إسرائيلياً بجروح خلال الأسبوع الماضي، أثناء أوّل اقتحام للأقصى، فيما أُصيب 7 مستوطنين، بعد يومين، إثر رشق حافلات إسرائيلية بالحجارة قرب باب الأسباط في القدس أثناء توجّهها نحو حائط البراق. وفي الداخل المحتل، أُصيب مستوطن بعملية طعن نفّذتها فتاة فلسطينية في مدينة حيفا، وأصيب آخر بالحجارة في مدينة الناصرة. أما في الضفة الغربية، فقد أصيب مستوطن بالحجارة قرب بلدة ترمسعيا في رام الله، وآخر خلال مواجهات مع الفلسطينيين في بلدة رأس كركر غرب رام الله.
في الضفة الغربية، يواصل المقاومون في جنين، انتشارهم واستنفارهم ليلاً. وفي الأيام القليلة الماضية، لوحظ ظهور عدد إضافي من مقاومي «كتائب القسّام» في مخيم جنين، ما يشي باحتمالية وجود قرار لدى «حماس» بتعزيز المقاتلين في المخيم. كما ظهر ملثّمون من الحركة في عدد من مناطق الخليل بشكل مفاجئ، في مشاهد غير مسبوقة منذ سنوات طويلة، حيث شارك هؤلاء برفقة ملثّمين آخرين من «الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية»، في فعّاليات مشتركة تركّزت في مخيم الفوار ومنطقة باب الزاوية، وبلدتَي صوريف وبيت أمر في الخليل، ومخيم جنين.
وأحدث تحديد موعد اجتماع قيادة السلطة الفلسطينية و«منظّمة التحرير» للتباحث في شأن اعتداءات العدو في الأقصى، موجة تندّر واسعة، إذ جرى تحديد الموعد بعد نحو ثلاثة أيام من اندلاع التصعيد، ولكنّ المفاجأة الأكثر غرابة، كانت في قرار رئيس السلطة، محمود عباس، تأجيل الاجتماع، بعد يوم من تصريحه بأن «اجتماع القيادة غداً، سينفّذ قرارات المجلس المركزي بقطع العلاقات مع إسرائيل». وعلمت «الأخبار»، من مصادر مطّلعة، أن «السلطة الفلسطينية تعرّضت لضغوط من دول عربية، وبشكل خاص الأردن، لإلغاء الاجتماع وليس تأجيله، بناءً على طلب من الإدارة الأميركية»، بحجّة أن «الجميع يريد الهدوء ويتّجه نحوه، ولا حاجة إلى أيّ اجتماعات تصعيدية».