صنعاء | استقبل الشارع اليمني في صنعاء قيام السعودية بنقل صلاحيات الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، إلى مجلس رئاسي موالٍ لها وللإمارات، بسخرية. ورأى أنّ إعطاء هذه الصلاحيات لقادة ميليشيات عسكرية انتهاك سعودي جديد للشأن الداخلي اليمني، وامتداد للعدوان. إلّا أنّ البارز، أمس، المعلومات التي أفادت بأنّه جرى وضع هادي، ونائبه علي محسن الأحمر، قيد الإقامة الجبرية، بعد اعتقال أولاد الرئيس المنتهية ولايته، وأولاد أخيه، وعشرة آخرين من طاقمه.وربطاً بما تقدّم، وصف مراقبون في صنعاء المجلس الرئاسي الجديد الموالي لتحالف العدوان، بأنّه "مجلس حرب" لن يقود اليمن نحو السلام. وأكّدوا أنّ السلام لا يحقّقه قادة ميليشيات مسلّحة، ومسعِّرو حرب ذوو ارتباطات أجنبية.
وفيما لم يصدر المجلس السياسي في صنعاء أيّ ردّ رسمي على إجراءات الرياض، أكّد رئيس وفد صنعاء المفاوض، والمتحدث باسم حركة "أنصار الله"، محمد عبد السلام، في تصريحات صحافية، أنّ إجراءات تحالف العدوان الأخيرة "لا علاقة لها بالمصالحة، ولا تمتّ للسلام بأيّ صلة، بقدر ما تدفع بالأوضاع نحو التصعيد، من خلال إعادة تجميع ميليشيا متناثرة متصارعة، في إطارٍ واحد يخدم مصالح الخارج ودول العدوان". وأكّد عبد السلام، أنّ "طريق السلام الجاد يبدأ بوقف العدوان وفكّ الحصار وإخراج القوات الأجنبية، ثم يأتي بعد ذلك الحديث عن الحوار السياسي في أجواء مناسبة، وليس بالقفز على كلّ هذه القضايا بإعادة تدوير المرتزقة"، لافتاً إلى أنّ هذه إجراءات لا شرعية لها، كونها صادرة عن جهة غير شرعية، ولا تملك أيّ صلاحية دستورية ولا قانونية ولا حتى شعبية، كما صدرت خارج اليمن شكلاً ومضموناً. وبناءً عليه، أشار إلى أنّ "اليمن ليس قاصراً، حتى يهندس له الآخرون شكل دولته وحكومته، ويقرّرون له حاضره ومستقبله". كذلك، قال عبد السلام، في تغريدة له على "تويتر"، أمس، إنّ "تشكيل مجلس رئاسي من المرتزقة، أسقط كلّ ذرائع العدوان والحصار، ولم يعد أمام المجتمع الدولي والأمم المتحدة أيّ مبرّر للاستمرار في استخدامها، لقتل الشعب اليمني وحصاره". وفي الإطار عينه، قال نائب وزير خارجية صنعاء، حسين العزي، في تغريدة: "نحن مع حوار يمني يمني، عندما لا يستقوي فيه أيّ طرف بالخارج ولا يشرعن فيه أيّ طرف للاحتلال الأجنبي".
وفي الوقت الذي أفادت فيه مصادر دبلوماسية بأنّ عزل هادي ونائبه جاء تلبية لطلب صنعاء، أكّد عضو المكتب السياسي لحركة "أنصار الله"، محمد البخيتي، أنّ مقترح الحركة قُدّم قبل العدوان، لتشكيل مجلس رئاسي بالتوافق بين كلّ المكوّنات السياسية، مطلع عام 2015. وقال: "كدنا نتوصّل إلى اتفاق، لولا العدوان الذي أُعلن بحجّة استعادة شرعية هادي، ورفض تشكيل مجلس رئاسي"، مضيفاً إنّه "بعد حرب ثماني سنوات، تُسقط أميركا هادي وتشكّل مجلساً رئاسياً وتضع على رأسه عميلها الأول في اليمن". وأشار البخيتي، إلى أنّ "الشعب رفض حكومة هادي، لأنّها أصبحت نزيلة أحد فنادق الرياض"، متسائلاً: "كيف يقبل بمجلس وليد الفندق نفسه؟". وقال: "كما فوجئ، قبل ثماني سنوات، بالعدوان، فوجئ بتشكيل مجلس رئاسي برئاسة رشاد العليمي رجل أميركا الأول في اليمن، ما يؤكّد أنّ مشاورات الرياض، وإعلان هادي، لم يكونا سوى مظلّة لإمرار قرار أميركي". وبشأن التفاوض مع المجلس الرئاسي الجديد، قال البخيتي، في تصريحات صحافية: "نحن لا نتفاوض مع أدوات دول العدوان، ويجب أن يكون الحوار بين اليمن ودول العُدوان الرباعي".
وصف مراقبون في صنعاء المجلس الرئاسي الجديد بأنّه "مجلس حرب"


في السياق ذاته، أكّد السياسي ورئيس تحرير صحيفة "الوسط" اليمنية، جمال عامر ، في حديث إلى "الأخبار"، أنّ "أيّ اتفاق أو تسويات من دون مشاركة أنصار الله ليس أكثر من إعادة اصطفاف وتبديل للوجوه المستهلكة بأخرى". وأشار إلى أنّ "تلك الإجراءات لن تغيّر طبيعة المشهد، ولن تصنع فارقاً على الأرض، وهو ما يعدّ اتجاهاً لتصعيد الحرب"، واصفاً ما حدث في الرياض، بأنّه "ليس أكثر من جمع للمتصارعين من أدوات التحالف في مجلس سُمّي مجلساً رئاسياً، واستبدال الدستور بإعلان التفويض، وإنشاء هيئة التشاور والمصالحة كبديل لمجلس النواب".
في غضون ذلك، كانت ردود الأفعال الشعبية في المحافظات الجنوبية غاضبة، بسبب إسقاط القضية الجنوبية. فقد أبدى عدد من الناشطين السياسيين الجنوبيين سخطاً واسعاً على قرار المجلس الانتقالي القبول بالانخراط في تشكيل سياسي، مستند إلى تفكيك القضية الجنوبية وتهميشها، والتنازُل عن شعارات استعادة الدولة وعلم الجنوب، مقابل الحصول على مقاعد في التشكيل الجديد والاحتفال بها.
وفيما كان ينتظر الكثير من الموالين للرياض أن تكافئ الرئيس المعزول هادي بتكريمه، كشفت مصادر دبلوماسية عن قيام السلطات السعودية بوضعه تحت الإقامة الجبرية، بعدما اختطفت أولاده وأخفتهم، عشية إعلان نقل صلاحياته. وقالت المصادر إنّ مسؤول مراسم هادي، محمد الحاج، اعتُقل بمعيّة أولاد الرئيس المنتهية ولايته، وأولاد أخيه وعشرة آخرين من طاقمه، من قبل المخابرات السعودية، ولم يُفرَج عنهم. كما أجبرت الرياض الجنرال علي محسن الأحمر على مباركة إقالته، قبل أن تضعه تحت الإقامة الجبرية، وفقاً لأكثر من مصدر، خشية ردّ فعل من قبله أو من قبل الموالين له.
إلى ذلك، أصدر المجلس الرئاسي الجديد، والذي ينتظر انتهاء الترتيبات لنقله إلى مدينة عدن، أول قرار، أول من أمس، قضى بموجبه بتسليم محافظة مأرب النفطية للقيادي في تيار طارق صالح، ذياب بن معيلي، وهو ما يعني إنهاء أيّ نفوذ لـ"حزب الإصلاح" في مدينة مأرب. ومن المتوقّع أن يُصدر المجلس قرارات تعزّز نفوذ نظام صالح السابق في معظم المحافظات، على حساب "الإصلاح"، وفقاً لتوجيهات الإمارات.