بغداد | أن يُعلِن قائد القيادة الأميركية الوسطى، الجنرال فرانك ماكينزي، قبل أيام، أن القوات الأميركية باقية في العراق لفترة طويلة، وأن الحكومة العراقية تريد حقاً وجوداً أميركياً في بلادها، فهذا يعني أن المشروع الأميركي الذي بدأ في عام 1991، مستمرّ. لا يتحدّث ماكينزي هنا عن حكومة مصطفى الكاظمي المنتهية ولايتها، بل عن التحالف الذي سيشكّل الحكومة الجديدة، سواءً تمّ التوصل إلى اتفاق على تشكيل حكومة توافقية تضمّ أطرافاً مختلفة أم لا. فـ»التيار الصدري» الذي فاز بأكبر كتلة لحزب واحد في الانتخابات الأخيرة، محقّقاً 73 مقعداً من مجموع 329 نائباً في البرلمان، سيلعب دوراً رئيساً في عملية التشكيل، مهما كان شكل الحكومة، فيما صار واضحاً أنه يتقاطع مع الأميركيين، ذاتياً أو موضوعياً، عند هدف تقليص النفوذ الإيراني في العراق. وعلى هذه الخلفية، عاد التحالف الثلاثي الذي يضمّ إلى «الصدري»، «تحالف السيادة» و»الحزب الديموقراطي الكردستاني»، إلى لغة التأزيم، على رغم انسداد سبل استفراده بالحُكم، نتيجة عدم امتلاكه ثلثَي أعضاء مجلس النواب لتحقيق نصاب انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقرّرة غداً. وهي خطوة تمثّل تصعيداً في وجه إيران بعد قصفها قاعدة إسرائيلية في أربيل، يصرّ التحالف على إنكار وجودها، على رغم اعتراف الجنرال ماكينزي نفسه، بأن المنشأة المستهدفة في أربيل تضمّ مركز عمليات إسرائيلياً.قرّر الصدر وشركاؤه في التحالف رمْي جميع أوراقهم؛ فكشفوا، للمرّة الأولى، مرشّحهم لرئاسة الوزراء، وهو محمد جعفر الصدر، شقيق زوجة مقتدى، وابن الشهيد محمد باقر الصدر. ويوحي هذا الخيار برغبة مقتدى في توظيف إرث الصدريين، بدءاً من هذه الحكومة، في إطار سعيه إلى فرض نفسه زعيماً أوحدَ للشيعة في العراق، ولو بالتحالف مع وكلاء الولايات المتحدة والإمارات والسعودية وإسرائيل، خاصّة أن مشروعه يستبعد كلّ القوى الشيعية الأخرى، ولا يخلو من احتكاك مع المرجع السيد علي السيستاني، مثلما حدث قبل أسابيع عندما أثار القيادي البارز في التيار، حازم الأعرجي، غضب أنصار المرجعية، بحديثه عن أن القرارات في العراق تَصدر حصراً عن مقتدى. والجدير ذكره، هنا، أن محمد جعفر من الدائرة البريطانية حول الصدر، والتي تُعتبر الأقوى. فهو السفير العراقي في لندن حالياً، وهذه أيضاً تكشف عن الميل نحو الغرب الذي ستتّسم به الحكومة التي يريدها التحالف الثلاثي، ولا سيما أن الشريكَين الآخرين مواليان للغرب والخليج. على أن الأخطر هو تبنّي الصدر صراحة، مرشح عائلة بارزاني التي تحكم أجزاء من الإقليم بالقوّة الأميركية وبالعلاقة مع إسرائيل، للرئاسة، ما سيعطي دفعة قوية لعودة المشاريع الانفصالية في إقليم كردستان، خاصّة أن المرشّح، ريبر أحمد بارزاني، مؤيّد علناً للانفصال، وكان في عام 2016 الممثّل المفوّض لمسعود بارزاني لدى الحكومة الإسرائيلية أثناء فترة التحضير لاستفتاء عام 2017 على الانفصال عن العراق.
معظم الترجيحات تشير إلى عدم اكتمال النصاب في جلسة الغد، التي سيقاطعها «الإطار التنسيقي» و»الاتحاد الوطني الكردستاني» وحلفاؤهما، ما لم يتمّ التوصّل إلى حلّ توافقي في اللحظة الأخيرة، وذلك على رغم تضارب الأرقام التي يقدّمها كل فريق. وتُظهر تقديرات الخبراء أن 133 نائباً سيقاطعون الجلسة، وهو أكثر بـ22 نائباً من الثلث المطلوب لتعطيلها، فيما يراهن التحالف الثلاثي على اجتذاب المستقلّين الذين سيحتاج إلى حضورهم جميعاً لتحقيق النصاب، إذ تملك أطراف التحالف ما بين 171 و175 عضواً، وتحتاج إلى أكثر من 45 نائباً من المستقلّين والكتل الصغيرة لتحقيق النصاب. ومن المؤشرات ذات الدلالة، في هذا السياق، الحديث الذي يجري عن مقاطعة كتلة «إشراقة كانون» المؤيّدة لمرجعية النجف، الجلسة، ما يعكس انزعاج المرجعية من الحركة الصدرية، بينما يُرجَّح أن تنضم «حركة امتداد» إلى التحالف الثلاثي.
وتوقّع النائب المستقل، عدنان الجابري، في حديث إلى «الأخبار»، أن «لا تُعقد الجلسة، وأن لا يتحقّق النصاب حتى لو انضمّ جميع النواب المستقلّين إلى التحالف الثلاثي»، مضيفاً أن «الجلسة ستؤجَّل إلى موعد آخر، وستكون هناك وساطات ومفاوضات بين الأطراف السياسية لعقد جلسة وتمرير مرشح رئاسة الجمهورية وتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بحسب ما ينصّ عليه الدستور لتشكيل الحكومة المقبلة». من جهته، رجّح النائب المستقلّ، حسين السعبري، في تصريح إلى «الأخبار»، سيناريو الثلث المعطّل، متمنّياً أن «تكون هناك حلحلة للانسداد السياسي وتحصل تنازلات وتوافقات، لأنّنا أمام استحقاقات دستورية مثل الموازنة، ولا نريد لهذه الدورة البرلمانية أن تفشل».
بالنتيجة، يبدو حشد التحالف الثلاثي قوّته ومحاولته اجتذاب مستقلّين إلى صفّه، أمراً مفيداً في جولة جديدة من النزاع، تهدف من خلالها قوى التحالف ورعاتها الخارجيون، إلى إعادة التوازن في الشارع مع إيران، بعدما اختلّ لمصلحة الأخيرة إثر أحداث كردستان، فضلاً عن تقوية موقفه في أيّ مفاوضات قد تحصل مستقبلاً. ومن هنا، لا ينفك «الثُّلاثي» يناور ويختلق أعذاراً تلو أخرى للانقلاب على كلّ تفاهم يتوصّل إليه مع «الإطار التنسيقي»، أو مع إيران مباشرة.