عمّان | يحرص الأردن على الظهور بمظهر الديموقراطي، والترويج لصورته الحضارية، خصوصاً عندما يأتي الأمر للانتخابات، التي لطالما لبست لبوساً عشائرياً ومناطقياً وصرف فيها المال السياسي. وقد ارتبط ذلك بالحديث المتكرّر عن هندسة الانتخابات، وتدخّلات "الدولة العميقة" في ترتيب مقاعد البرلمان ومجلس أمانة عمّان (وأمانة القدس)، وحتى البلديات ومجالس المحافظات (عُقدت الأخيرة للمرّة الأولى عام 2017). ويسعى الملك عبدالله إلى التخلّص من لون هذا المأزق الفاقع، في محاولة لتعزيز الصورة الديموقراطية للأردن، التي يفضّلها البيت الأبيض. ومن هذا المنطلق، استبق الاستحقاق بزيارة الهيئة المستقلّة للانتخاب، في تعبير واضح عن اهتمام القصر بالعملية الانتخابية. إلّا أن هذه الخطوة جاءت بعد نتائج اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي أفضت أخيراً إلى تعديلات دستورية وسّعت من صلاحيات الملك، وأفرزت قانونَي أحزاب وانتخابات على مقاس القصر و"الدولة العميقة" في رؤيتهما لحكومات برلمانية يُصرّ عبدالله على إرساء قواعدهما، تمهيداً للملكية الخامسة.وبعد تغيير التسميات والانتقال إلى مصطلح الإدارة المحلية، صدر قانون خاص بها (رقم 22 لعام 2021)، جمع قانونَي البلديات واللامركزية في واحد. كذلك، صدر قانون آخر خاص بمجلس أمانة عمّان (رقم 18 لعام 2021). وبناءً عليهما، أُجريت الانتخابات الأخيرة التي لا تعبّر بشكل حقيقي عن التجاذبات السياسية "التقليدية" - على ضآلتها - في مجمل الخريطة الانتخابية في الأردن، على الرغم من أهمية التماس المباشر مع المواطنين والأثر الملحوظ لدور هذه المجالس في الحياة اليومية، خصوصاً أن صبغتها خدمية. ويبقى الملاحظ أن تأثير الأحزاب فيها محدود جداً؛ فقد تمكّن 10 حزبيين فقط من الفوز بمنصب رئيس مجلس بلدي، وانقسمت المشاركة الحزبية، بشكل واضح، بين تيّارين هما "حزب الوسط الإسلامي" و"حزب الميثاق" المؤسَّس أخيراً.
وقد جاءت مشاركة "الوسط الإسلامي" - الذي اندمج فيه "حزب المؤتمر الوطني - زمزم" المنشقّ عن "الإخوان المسلمين"، في عام 2016 - للتغطية على مقاطعة "جبهة العمل الإسلامي" (الذراع الحزبية لـ"جماعة الإخوان المسلمين"). أما الأحزاب القومية واليسارية، فقد شاركت في الانتخابات، بشكل أكثر تواضعاً، بعد الضربة المؤلمة التي تلقّتها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، في عام 2020.
يسعى الملك عبدالله إلى تعزيز الصورة الديموقراطية للأردن التي يفضّلها البيت الأبيض


وتمثَّل التنافس الانتخابي، في ترشُّح 4646 شخصاً، للفوز بـ2325 مقعد إدارة محلّية، منها 100 لمنصب رؤساء البلديات و918 لأعضائها، و279 لمجالس المحافظات، و28 لعضوية أمانة العاصمة عمّان، والباقي تعيين. ومع ظهور النتائج، بدا واضحاً أنّ نسبة الاقتراع الأعلى كانت في محافظة عجلون، بنحو 63%، علماً أن عدد سكّانها لا يتجاوز الـ200 ألف شخص، فيما كانت النسبة الأضعف في العاصمة، حيث لم تصل إلى الـ15%.
وفي غضون ذلك، شهدت مناطق عدّة أعمال شغب محدودة، مثل الهاشمية في محافظة الزرقاء (نسبة الاقتراع لم تتجاوز الـ17%)، وفي منطقة الخالدية في محافظة المفرق (نسبة الاقتراع تجاوزت الـ60%)، إضافة إلى حادثتَي شغب في محافظة جرش (نسبة الاقتراع نحو 60%)، نجم عنهما حريق مركبة، كما أُلقي القبض على عدد من المشاركين فيهما. أما أعمال الشغب الأكبر، فكانت في محافظة إربد (تجاوزت نسبة الاقتراع الـ40%)، حيث جرى إلقاء القبض على 40 شخصاً تجمّعوا أمام مدينة الحسن الصناعية. كذلك، تعاملت القوة الأمنية مع أعمال شغب في لواء الطيبة في محافظة إربد والوسط التجاري في محافظة الكرك (تجاوزت نسبة الاقتراع الـ56%)، ومشاجرة وتجمّعات في منطقة جبل التاج، وهي تجمّع لأبناء محافظة الطفيلة. ويُعرف هذا الحيّ بمعارضته بشكل واضح للقصر، حيث الهتافات تطاول الملك والملكة.
في هذا الوقت، شنّت السلطات الأردنية، صباح أمس، حملة اعتقالات، بالتزامن مع الذكرى السنوية لاعتصام 24 آذار (أوّل اعتصام مفتوح في الأردن إبّان الربيع العربي). وشهد وسط العاصمة الأردنية، تشديداً أمنياً، بعدما دعت "اللجنة التحضيرية للإنقاذ الوطني" إلى اعتصام في الساحة الهاشمية "وسط البلد". وقالت اللجنة، في بيان: "حملت السنتان الأخيرتان لنا ما لا يحتمل، وأثقلت الدولة والنظام علينا وعليكم ما لا يطاق، وفي كل يوم نقول شدّة وتزول، ولكن الحقيقة أن الشِدّة تشتدّ، ولا تزول، لأن صاحب القرار لا يشعر معكم، ولا يستمع إلّا للفاسدين والمنافقين، ولأن عمق دولة الفاسدين المتشبثين بالكراسي والمناصب يضربون طوقين يبدو أن لا فكاك منهما، إلّا بالموت أو ما لا نحب أن يحدث". وقالت: "فرّق النظام العشائر وقطعها إرباً إرباً، ودمر الأحزاب، واستبدلها بأحزاب دولة سترونها قريباً، وفرّق المواطنين، حتى تبرّأ الأخ من أخيه، والأب من أبنائه، والوطن من مواطنيه، ولا تزال تنزل بنا كل يوم نازلة".