طربلس | أدّت حكومة رئيس الوزراء الليبي، فتحي باشاغا، اليمين أمام مجلس النواب الليبي، بعد موافقة المجلس على التشكيلة المقدّمة، والتي استغرقت نحو شهر للانتهاء منها، ووُزّعت الحصص فيها بين الأقاليم الليبية الثلاثة. وستكون مهمّة الحكومة الجديدة، التمهيد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، المقرّر إقامتها في النصف الثاني من سنة 2023، وفق خريطة الطريق التي وضعها البرلمان، وستحرم بموجبها باشاغا من خوض انتخابات رئاسة الجمهورية.
وجاء أداء الحكومة لليمين، على وقع عملية تشكيكٍ في شرعيّتها، سواء من رئيس الحكومة السابق، عبد الحميد الدبيبة، الرافض للاعتراف بها، أو من أطراف دولية، نتيجة ما حصل في جلسة منحها الثقة، التي حضرها 101 عضو فقط، فيما غاب نحو ثلث أعضاء البرلمان عنها. وشكّكت الأمم المتحدة في عملية التصويت، مشيرة إلى أنّها "لم ترقَ إلى معايير الشفافية المتوقّعة، إضافة إلى الإجراءات التي هدّدت عقد الجلسة". واعتبرت أنّ الأهم هو التوجه نحو إجراء الانتخابات، والحفاظ على الوحدة والاستقرار اللذين تحقّقا بصعوبة، بعد الاقتتال الأهلي.
من جهته، لا يبدي باشاغا رغبة في انتزاع السلطة بالقوة، بل يريد أن يتسلّمها بشكل هادئ، من دون نزاع أو خلافات عسكرية، سواء مع الدبيبة أو حتى مع بعض الفصائل المسلّحة، التي ترفض وجوده في السلطة، بسبب دوره إبان تسلّمه منصب وزير الداخلية في حكومة الوفاق، برئاسة فايز السراج، وفي الوقت الذي يعدّ فيه مهندس العمليات العسكرية في فترة الحرب الأهلية.
ومن هذا المنطلق، يأمل باشاغا موافقة عبد الحميد الدبيبة على الخروج الآمن له ولحكومته، والحصول على الترضية السياسية والمعنوية التي يريدها، بما يضمن انتقالاً هادئاً من دون نزاع عسكري أو قطرة دم، مع التأكيد على عدم إجراء أيّ تحقيق في مخالفات الحكومة، التي تعرّض أكثر من وزير فيها للاتهام بالفساد، خلال فترة عملها التي استمرت نحو عام.
يأمل باشاغا موافقة الدبيبة على الخروج الآمن له ولحكومته


في المقابل، لا يرغب الدبيبة في هذه الصيغة، ويأمل بإقناع الأمم المتحدة، بشكل خاص، بشرعيّة حكومته، وبالخريطة الخاصّة بالمسار الذي يضمن إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، قبل نهاية الصيف المقبل، أي قبل نحو عام من الموعد الذي حدّده البرلمان الليبي لحكومة فتحي باشاغا، التي ستشرف على الانتخابات، وبالتالي عدم تسليم السلطة إلا لنظام منتخب من الشعب. وجاءت كلّ هذه التطوّرات في وقت جُمّدت فيه اجتماعات اللجنة العسكرية "5+5"، بانتظار موافقة سياسية للعودة إلى المباحثات، مرة أخرى خلال الأيام المقبلة.
كذلك، يراهن الدبيبة على التشكيك بشرعية عملية اختيار خليفته، وعلى الخلافات القديمة بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب. وهو رهانٌ قد ينجح، إذ استطاع أن يُظهر أمام المجتمع الدولي رفض المجلس الأعلى للدولة لحكومة باشاغا، بالإضافة إلى جمع عدد من أعضاء مجلس النواب المشكّكين في جلسة التصويت، والرافضين للإجراءات الأخيرة. وستزيد هذه الأمور من التعقيدات على جميع المستويات، خلال الأيام القليلة المقبلة، مع تأخّر عملية حسم الموقف الدولي، وخصوصاً في واشنطن وبرلين والعواصم الأوروبية الفاعلة في الملف الليبي.
وفي الوقت الذي التزمت فيه المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، ستيفاني وليامز، الصمت الكامل حيال ما حصل، صدر بيان مقتضب عن الأمم المتحدة مذيّل باسم المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، يشير فيه إلى سعي وليامز لدعوة لجنة مشتركة من مجلسَي النواب والأعلى للدولة، في أقرب وقت ممكن، للاجتماع من أجل وضع أساس دستوري توافقي، من شأنه أن يؤدّي إلى إجراء انتخابات وطنية في أقرب وقت.
وحتى الآن، لم تحسم الأمم المتحدة موقفها النهائي من التعامل مع الوضع السياسي في ليبيا، فرغم اللقاءات المتعدّدة التي عقدتها وليامز مع مختلف الأطراف، في الأيام الماضية، إلّا أنّها لم تستطع تقديم تقرير حاسم يراهن على أيّ من طرفَي الأزمة، بعدما أخفقت في تحقيق قدر من التفاهم والتوافق بينهما، رغم الإغراءات التي قدمتها.