الحسكة | انجلى غبار المعارك الأخيرة التي شهدها سجن الثانوية الصناعية في مدينة الحسكة، عن أزمات إنسانية طارئة، لا يبدو أكيداً أنها ستجد طريقها إلى الحلّ قريباً، على رغم تسارُع الجهود المحلّية لإنهائها. أزماتٌ لعلّ أبرزها اثنتان؛ أولاهما محاولة «قسد» تثبيت سيطرتها على المرافق الحكومية التعليمية المحيطة بالسجن بما يخدم هدفها المتمثّل في الانقضاض على التعليم الحكومي الجامعي، وأيضاً هدف حلفائها الأميركيين الساعين إلى بناء قاعدة عسكرية جديدة تتوسّط سجنَي الثانوية الصناعية والحسكة المركزي. أمّا الأزمة الثانية، فهي معاناة النازحين جرّاء المعارك، والذين لا يزالون قابعين في مركز إيواء وحيد تُقدَّم لهم فيه الخدمات من قِبَل الجمعيات الخيرية وفعاليات المجتمع المدني، في حين لا تزال استجابة المنظّمات الأممية لأحوالهم، خجولة إلى حدّ بعيد
يُنبئ استحواذ «قسد» على مباني ثلاث كلّيات جامعية، بالإضافة إلى معهد هندسي، في محيط سجن الثانوية الصناعية في مدينة الحسكة، بسعْي «الإدارة الذاتية» الكردية إلى تقليص حجم التعليم الحكومي الجامعي تدريجياً، وصولاً إلى منعه بشكل كامل لاحقاً، وذلك بعد أن تمّ منع تدريس المناهج الحكومية لمرحلتَي التعليم الأساسي والثانوي تماماً، في مناطق سيطرتها. واستولت «قسد»، في أعقاب الأحداث الأخيرة التي شهدها السجن، على مبنى كلية الهندسة الزراعية التابعة لـ«جامعة الفرات» الحكومية، ومنعت الطلّاب والعاملين فيه من الدخول إليه، كما رفضت تسليم مباني كليّتَي الهندسة المدنية والاقتصاد والمعهد الهندسي لإدارة الجامعة، بدعوى «وجود معلومات عن تسلّل خلايا من داعش» إليها. وفي حال عدم تراجع «قسد» عن تلك الخطوات، فإن إدارة «الفرات» في الحسكة ستكون غير قادرة على توفير أماكن بديلة للكلّيات المدمّرة جزئياً، والتي كانت تستوعب أكثر من 5 آلاف طالب، ما يجعل خيار نقل الطلاب إلى مقرّ الجامعة الأمّ في محافظة دير الزور، هو الأرجح. وكانت القوات الأميركية قد تعمّدت تدمير الجزء الأكبر من المباني التعليمية المجاوِرة للسجن، خلال المعارك الأخيرة حوله، بما يحقّق لها إخلاء مساحة واسعة تقدّر بعشرات الدونمات، تُتيح لها مستقبلاً بناء قاعدة عسكرية جديدة تتوسّط سجنَي الثانوية الصناعية والحسكة المركزي. وبدأت تلك القوات تنفيذ مخطّطها باستقدامها آليات هندسية حديثة إلى المكان، وتجريفها كامل مبنى معهد المراقبين الفنّيين، وتسويته بالأرض تماماً، ثمّ نقلها الآليات إلى مبنى كلّيتَي الهندسة المدنية والاقتصاد، تمهيداً لجرف ما تبقّى منهما.
وضعت «جامعة الفرات» عشرة شروط للعودة عن قرار تعليق الدوام والامتحانات


وخلال الأيام القليلة الماضية، نجحت الضغوط الشعبية والطالبية على «قسد»، في دفْع الأخيرة إلى إعلان استعدادها لإعادة تسليم مبنى كلية الزراعة في حيّ الناصرة إلى إدارة الجامعة، لكنّها رفضت تسليم مباني كلّيتَي الهندسة المدنية والاقتصاد والمعهد الهندسي، في حيّ غويران، بحجّة ملاصقتها السجن. وفي المقابل، اتّخذت وزارة التعليم العالي السورية قراراً بتعليق الدوام والامتحانات الجامعية في كلّيات الحسكة ومعاهدها كافة، مُعلِنةً أنها لن تعود عن قرارها حتى تسليم تلك المباني بكامل تجهيزاتها، مع تأمين أماكن بديلة للطلاب إلى حين إصلاحها. وفي هذا السياق، أكّد رئيس «جامعة الفرات»، طه خليفة، في تصريح إلى «الأخبار»، أنّ «الجامعة وضعت عشرة شروط للعودة عن قرار الإيقاف، أهمّها تسليم المباني، وتعويض الأضرار، وإعادة المسروقات، والتعهّد بعدم التدخّل في شؤون الجامعة مطلقاً»، معتبراً أن «ما يحصل من استهداف ممنهج للجامعات، يصبُّ في مصلحة سياسة الاحتلال الأميركي الهادفة إلى تدمير المؤسسات التعليمية، ونشر الجهل في المجتمع السوري». وأشار إلى أنّ «الجامعة بدأت باتّخاذ إجراءات لإدانة الاحتلال الأميركي لدى الأمم المتحدة ومنظّماتها، مع المطالبة بالتعويض عن الخسائر الهائلة التي لحقت بالمباني التعليمية في الجامعة». بدوره، أوضح مدير فرع «جامعة الفرات» في الحسكة، جمال العبد الله، في حديث إلى «الأخبار»، أن إدارة الجامعة «رفضت إعادة استلام مبنى كلية الزراعة فقط، واشترطت استلام بقيّة المباني المستولى عليها، وإخلاءها من أيّ مظاهر عسكرية، تمهيداً لترميم المباني المدمّرة، واستخدام كتل البناء السليمة». وأضاف العبد الله أنه «لا يمكن إطلاقاً الاستغناء عن أيّ مبنى من مباني الكلّيات الجامعية، لعدم توافُر مبانٍ بديلة».
وعلمت «الأخبار»، من مصادر متابعة، أن اجتماعاً عُقد يوم الخميس، بين إدارة الجامعة وممثّلين عن «الإدارة الذاتية» الكردية، لبحث إمكانية تلبية طلبات الأولى للعودة عن قرارها تعليق الدوام والامتحانات. وتوقّعت المصادر أن «تُثمر ضغوط الجامعة والأهالي والطلاب تسليم كافة المباني الجامعية، ورفْع قرار التعليق خلال الأيام القريبة القادمة». وأكدت أن «وزارة التعليم العالي جادّة في توجّه نقل الجامعات، بسبب استمرار قسد في التدخّل في التعليم وتدميره، وهو ما يجب أن يدركه الطلاب وأهاليهم جيّداً»، مضيفةً أن «الدولة السورية حريصة على استمرار مسيرة التعليم الجامعي حتى آخر لحظة، وهو ما برهنته طيلة سنوات الحرب، رغم منغّصات قسد، التي لم تعد تُحتمل، وتحتاج لوضع حدّ لها».