القاهرة | على رغم اعتماد الصحافة المصرية، بشكل شبه كامل، على الدّعم المُسدى إليها من قِبَل الدولة، إلّا أن «نقابة الصحافيّين المصرية» ظلّت دائماً حريصة على أخْذ مسافة من السلطة، بل وحتّى الوقوف في وجهها، بدءاً من رفض «اتفاقية كامب ديفيد»، مروراً باعتراض الصحافيّين بقيادة إبراهيم نافع، رئيس تحرير «الأهرام»، على قانون الصحافة لعام 1996، وإجبار الدولة على تغييره، وصولاً إلى الضغط على السلطة بعد عام 2011 لقبول المتغيّرات التي فرضتها الانتفاضة على الوسط الصحافي، وليس انتهاءً باحتضان النقابة التظاهرات المناوئة لتنازُل النظام عن جزيرتَي تيران وصنافير لصالح السعودية.هذا السلوك الاعتراضي، هو الذي دفع ولا يزال سلطات عبد الفتاح السيسي إلى مواصلة التضييق على «الصحافيين»، التي بات مقرّها في وسط القاهرة شبه مغلق منذ أكثر من 3 سنوات بداعي الترميم، فيما السبب الحقيقي وراء ذلك هو الحرص على إلغاء أيّ مساحة للتظاهر على سلالم النقابة، بل ومنع أيّ متدرّب صحافي من دخولها. كذلك، عُلّقت الاجتماعات الدورية لمجلس النقابة خلافاً لما تنصّ عليه اللائحة الداخلية، فيما تعطّلت مصالح العديد من الصحافيين. وخلال العامَين الماضيَين، جُمّدت تقريباً أعمال لجنة القيد، التي لم تقبل سوى عددٍ محدود من المنتسبين، في ظلّ وجود خلافات بين أعضاء مجلسها، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات، التابعة لرئاسة الجمهورية، والمسؤولة عن تحسين صورة الدولة في الخارج، ضياء رشوان.
أصبحت الموافقة الأمنية شرطاً ضمنياً لقبول طلب الانضمام إلى النقابة


لكن في أعقاب انتخابات التجديد النصفي الأخيرة التي قوبلت بتشكيك واسع في نتائجها، وغلَبة التيّار المدعوم من الدولة، لاسيما قيادات الصحف القومية، بدأ الوضع يتغيّر تماماً. إذ حرصت السلطة، مذّاك، على إدخال شخصيات محسوبة على الدولة، ولو بمخالفة القانون واللوائح، إلى النقابة، من أجل ضمان الحصول على أصواتها لاحقاً. ولذا باتت الموافقة الأمنية، التي تمثّل شرطاً رئيساً لدخول الإعلام المملوك للمخابرات ولو كان طلب العمل متعلّقاً بـ«البوفيه»، شرطاً ضمنياً أيضاً لقبول بعض الشخصيات التي تريد الانضمام إلى «الصحافيين»، التي يرأس لجنة القيد فيها رئيس تحرير صحيفة «الأخبار»، خالد ميري، الطامح إلى منصب النقيب في انتخابات 2023، والذي مرّر، في لجنة القيد، أسماء العاملين في صحيفته، وتلك التي تمّت التوصية بها من قِبَل المخابرات بشكل مباشر، كما هو حال الصحافيين العاملين في صحيفتَي «الدستور»، و«اليوم السابع». كذلك، جرى تمرير الأسماء العاملة في جهات تابعة للدولة، في مخالفة لشروط الانضمام إلى النقابة، بدايةً من عضوَي البرلمان عن «تنسيقية شباب الأحزاب»، محمود بدر ومارسيل سمير، مروراً بعدد من أعضاء التنسيقية، وصولاً إلى المدقّق اللغوي في جهات حكومية عديدة، حسام مصطفى إبراهيم. في المقابل، رُفض أو تَأجَّل انضمام صحافيين آخرين نتيجة مواقفهم السياسية، على رغم ممارستهم العمل الصحافي بشكل فعلي، وأبرزهم محمود السقا الذي أوقف وحُبس على خلفية تظاهرات الدفاع عن مصرِيّة تيران وصنافير، في الوقت الذي كان فيه رئيس لجنة القيد ورفاقه يدافعون عن سُعوديّة الجزيرتَين.
بالنتيجة، يبدو أن مهمّة ميري الرئيسة، خلال ما تبقّى من وقت حتى الانتخابات المقرّرة في 2023، الاستمرار في ضمّ «أبناء الدولة» إلى النقابة من أجل تغيير تركيبتها، وبالتالي تغيير خريطة التصويت فيها، بما يضمن فوز القائمة التي ستُرشّحها الأجهزة الرسمية. وهو ما يبدو أن الأخيرة ستنجح فيه، خاصة بعدما أصبح 8 من أعضاء المجلس محسوبين على الدولة.