غزة | بعد مضيّ خمسة أشهر على معركة «سيف القدس»، ها هو الاحتلال الإسرائيلي يعترف بالفشل الكبير الذي مُني به جيشه، وبنجاح المقاومة الفلسطينية في الاستفادة من نقاط ضعفه، فضلاً عن تجاوُز قدراته العالية وتحقيق ضربات موجعة ضدّه؛ إذ يكشف تحقيق مُسرّب، أجراه الجيش، حالة «العجز الاستخباري» التي تسبَّبت بها أجهزة أمن المقاومة لاستخبارات العدو. وفي هذا الإطار، يقول مصدر في المقاومة، تحدّث إلى «الأخبار»، إن الفصائل كانت تراقب على الدوام، مكامن القوّة والضعف لدى الاحتلال، وتسعى إلى تجاوز قدراته العسكرية، في ظلّ تركيزها على الفرص التي يمكن من خلالها إيلام العدوّ، وهو ما حدث في المعركة الأخيرة، وتحديداً في عدد من عمليات الصواريخ الموجّهة ضدّ الدروع.قبل الحرب وخلالها، كان الاحتلال يتغنّى بأن في مستطاعه إيجاد حلٍّ لأنفاق المقاومة، إلّا أن أيّاً من ادعاءاته لم يتحقّق، على رغم امتلاكه أحدث الأسلحة المضادّة لقدرات خصمه. معضلته الأساسية هي في الأصل، في جانب المعلومات الاستخبارية، ولا سيما أن الخبرة الأمنية التي اكتسبتها المقاومة والاحتياطات الكبيرة في أغلب أدواتها العسكرية، جنّبتاها الاستهداف من قِبَل الاحتلال، فاستمرّت في صدّ العدوان بفعالية عالية جداً حتى اليوم الأخير من المعركة. وبحسب المصدر، كانت الأجهزة الأمنية والاستخبارية للمقاومة الأكثر عرّضة لمحاولات الاستهداف، على خلفيّة دورها الكبير في منْع وصول المعلومات الاستخبارية عن عملها في الميدان داخل قطاع غزة خلال السنوات الماضية، وهو ما دفع العدوّ إلى الانتقام عبر تدمير أغلب مقارّ جهاز الأمن الداخلي الحكومي في القطاع، محاولاً، في الموازاة، استهداف شخصيات أمنية من المقاومة، إلى جانب الصفّ القيادي، على اعتبار أن للأمن فضلاً كبيراً في إفشال قدراته على الوصول إلى المعلومات، واستخدام القوّة التي لديه بدقّة وتأثير. وطوال السنوات الماضية، لم تشكّ المقاومة بمبالغة الاحتلال في تظهير قدراته الاستخبارية التي تستهدف جمْع المعلومات عنها، إذ استطاعت خداعه بمعلومات مضلّلة خلال المعركة.
أضرّ التحقيق الأخير بأداء الوحدات العسكرية في الجيش الإسرائيلي وبثقة الجمهور فيه


وكشفت وسائل إعلام عبرية، أخيراً، عن تحقيق سرّي أُجرى لتقييم نتائج الحرب الأخيرة على قطاع غزة، بعنوان «عملية حارس الأسوار ــــ الأداء والاستخبارات العملية»، يبيّن الفجوة في الواقع العملياتي في معركة «سيف القدس»، والفشل العملياتي الكبير الذي مُني به جيش الاحتلال أمام المقاومة طوال 11 يوماً. وتشير «القناة 12» العبرية، إلى أن التحقيق الأخير أضرّ بأداء الوحدات العسكرية في الجيش وبثقة الجمهور فيه، ومنح المقاومة الفرصة لاستخدامه ضدّ دولة الاحتلال، ولا سيما أنه يُظهر فجوات استخبارية كبيرة حالت دون قدرة الجيش على الوفاء بالتوقّعات التي خلقها لنفسه، من مثل الإضرار بنظام الصواريخ المضادّة للدروع، والصواريخ التي تمتلكها الفصائل في غزة، وكذلك استهداف قادتها. تحقيق أجراه جيش الاحتلال بعد أسابيع من انتهاء الحرب، وشمل كل أذرعه والوحدات والأنظمة التي شاركت في القتال، وتمّ تسريبه إلى وسائل الإعلام من قِبَل جهاز سرّي داخل الجيش الإسرائيلي. يتطرّق البند 33 من التحقيق إلى ما يسمّيها «فجوة تشغيلية خطيرة في عرقلة قدرات أنظمة الصواريخ، وتلك المضادة للدبابات والقناصة التابعة للمقاومة» بسبب النقص الحادّ في المواد الاستخبارية، وهو ما يعني أن العدوّ فشل في الكشف عن معظم قاذفات الصواريخ، وتحديد مواقع خلايا الإطلاق، وقادة «حماس» في غزة. وفي ضوء النقص الحادّ في المعلومات الاستخبارية، يوضح التحقيق أن التقارير العسكرية للجيش كانت تؤكد اغتيال قادة الكتائب والسرايا، وفي بعض الحالات لم يكونوا قد اغتيلوا بالفعل، بل قُصفت منازلهم فقط. ووفق التحقيق، فإن أنظمة نيران جيش الاحتلال، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والمروحيات والمدافع والصواريخ وغيرها، لم يكن لديها المعلومات الاستخبارية التي تتيح لها إمكانية ضرب أهداف يمكن أن تقلِّل من زخم نيران المقاومة التي استمرّت بنفس الكثافة حتى نهاية المعركة.
وعلى رغم تصريحات الناطق باسم جيش الاحتلال خلال المعركة حول تدمير أنفاق إطلاق الصواريخ والقضاء على الفرق المضادة للدبابات، إلّا أن إطلاق الصواريخ في اتّجاه المستوطنات الجنوبية استمرّ بالزخم نفسه، فيما تمكّنت الفرق المضادة للدبابات التابعة للمقاومة من السيطرة على المنطقة الحدودية بالكامل. ويشير البند 38 من التحقيق إلى أن «الثغرات في المعلومات الاستخبارية التي اكتشفت بعد العملية، كانت على عكس ما نُشر في وسائل الإعلام نقلاً عن مصادر في الجيش الإسرائيلي، سعت ــــ قبل المعركة ــــ إلى تضخيم قدرات جمع المعلومات الاستخبارية من أجل إيصال رسالة تهديد للمقاومة في غزة وطمأنة الجمهور الإسرائيلي الذي اكتَشف زيف ما كان يتلقّاه من معلومات». وهذا أمر بالغ الأهمية، وفق التحقيق، كونه تسبَّب في إلحاق الضرر بصورة الجيش وقدراته، وخلق أمناً وهمياً لدى الجيش والجمهور الإسرائيليَّين. ويوضح أن هذا الوهم الذي تولّد لدى الجيش حول قدراته الاستخبارية، أثّر على تفكير الضباط على الأرض، الذين اعتقدوا بأن لديهم تفوقاً كبيراً على فصائل المقاومة، وهو ما ثبت عكسه. ويكشف البند 55 من التحقيق كيف أثّر هذا التقييم الخاطئ للوضع، إلى جانب المبالغة في استعراض القوّة، على ثقة الجمهور الإسرائيلي بجيشه، وسمح للمقاومة الفلسطينية باستغلال هذه الحالة من أجل التأثير عليه.