الخرطوم | تمضي الحكومة السودانية، بخُطى حثيثة، نحو تسليم الرئيس المخلوع عمر البشير واثنين من مساعديه إلى «المحكمة الجنائية الدولية»، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية خلال الاقتتال المسلّح الذي اندلع في دارفور في عام 2003. وكان مجلس الوزراء صادق بالإجماع خلال جلسة دورية له مطلع آب الجاري على نظام روما الأساسي للمحكمة، ليضاف بذلك السودان إلى قائمة الدول المُوقِّعة على ميثاق «الجنائية الدولية»، ويصبح ملزَماً بقراراتها. وبعد نحو أسبوع على قرار الحكومة، وصل إلى الخرطومَ مدّعي المحكمة كريم أسد خان الذي تولّى منصبه في حزيران الماضي. وبحسب ما رشح من أنباء، فإن الزيارة أتت في إطار المشاورات المستمرّة مع الحكومة السودانية بغية تسليم عدد من المسؤولين السودانيين الصادرة بحقهّم مذكّرات اعتقال منذ عام 2007، وعلى رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير، ووزير الدفاع السابق عبد الرحيم حسين، وأحد مساعدي البشير ووزير الداخلية الأسبق أحمد هارون، بالإضافة إلى علي كوشيب أحد كبار قادة ميليشيا «الجنجويد» الذي تتواصل محاكمته في لاهاي بالتهم نفسها. وأكدت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي خلال زيارة مدّعي المحكمة إلى الخرطوم قرار الحكومة تسليم المطلوبين في قضية دارفور، من دون أن توضح ما إذا كان القرار يشمل البشير الصادرة بحقّه مذكرة توقيف في عام 2009.
يحاكَم البشير أمام محاكم سودانية منذ الإطاحة به نهاية عام 2019

لكن بحسب مصادر مطّلعة تحدّثت إلى «الأخبار» فإنّ الخلاف بين المكوّنَين المدني والعسكري حول القضية، لا يزال قائماً. إذ إن الأخير لا يزال رافضاً إمضاء عملية التسليم، على اعتبار أن البشير «كان رمزاً للسيادة في وقت من الأوقات، كما أن انتماء الرجل إلى المؤسّسة العسكرية يمنع العساكر الموجودين في قمّة الهرم السيادي في البلاد من اتّخاذ قرار تسليم القائد الأعلى للجيش، وإن حمل صفة قائد سابق، إلى المحكمة الجنائية الدولية». في المقابل، يرى المكوّن المدني، الذي يتبنّى الانفتاح نحو ما يُسمّى «المجتمع الدولي»، «أهمية الالتزام بالشرعية الدولية والقانون الدولي، وتحقيق العدالة، وتطبيق مبدأ الديمقراطية». والظاهر أن هذا الخلاف هو الذي تسّبب في تأخير التئام الاجتماع المشترك بين مجلس الوزراء و«مجلس السيادة»، لإجازة قرار التسليم. ذلك أن الوثيقة الدستورية - التي تحكم الفترة الانتقالية - تنصّ على اجتماع المجلسَين المذكورَين لإجازة القرارت في حال غياب المجلس التشريعي. وفي هذا الإطار، أشار رئيس الحكومة، عبد الله حمدوك، أول من أمس، إلى أن قرار تسليم المطلوبين بحاجة إلى موافقة من الحكومة «والسيادي»، وهو ما «لم يتمّ بعد». إزاء ذلك، لا تستبعد المصادر أن توافق الحكومة على مقترح محاكمة البشير في الخرطوم، كمخرج للأزمة بين المدنيين والعسكريين. كما لا تستبعد تبنّي مقترح محاكمة معاوني الرئيس المخلوع في لاهاي، واستثنائه هو ومحاكمته في الخرطوم. لكن إذا صحّت توقّعات محلّلين بإمكانية استعانة مجلس الوزراء بما يُسمّى «المجتمع الدولي» للضغط على المكوّن العسكري، ودفعه إلى الموافقة على تسليم البشير، فقد يتبدّل موقف العسكر، خصوصاً إذا ما عُرض عليهم ثمن «مغرٍ»، في تكرار للسيناريو الذي تمّ تطبيقه في عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
يُذكَر أن البشير، الذي أطيح به نهاية عام 2019، يحاكَم أمام محاكم سودانية مذّاك، بتهمة القيام بانقلاب عسكري على النظام الديموقراطي في عام 1989، فيما يعارض مناصروه بشدّة قرار تسليمه إلى «الجنائية الدولية». ويبدو أن من بين العوامل التي لا تزال تتحسّب لها الحكومة قبل إجازة القرار بصورته النهائية، ردّة الفعل العنيفة المتوقّعة من الإسلاميين، خاصة أن أغلب العناصر المنتسبين إلى حزب البشير المحلول، ينتمون إلى الأجهزة النظامية، كما تلقّى معظهم تدريبات على استخدام الأسلحة، ما يجعل احتمال المواجهة المسلّحة أمراً غير مستبعد.