القاهرة | بعد أيام على قرار النائب العام إخلاء سبيل 46 شاباً من المحبوسين على ذمّة قضايا سياسية، أخلت النيابة العامة، وبشكل مفاجئ، خلال الساعات الماضية، سبيل عدد من المسجونين السياسيين البارزين. ومن بين هؤلاء، الكاتب الصحافي، جمال الجمل، الذي أُوقف بعد عودته من تركيا، والناشطة إسراء عبد الفتاح، مؤسِّسة «حركة 6 أبريل»، بالإضافة إلى صحافيين آخرين، جرى توقيفهم خلال السنوات الماضية على خلفية مواضيع نشروها، من بينهم معتز ودنان الذي نشر حواراً مسجّلاً مع الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، هشام جنينة، حول المخالفات في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.قرارات إخلاء السبيل من دون إجراءات احترازية، والتي شملت أيضاً الناشطة ماهينور المصري، والصحافي مصطفى الأعصر، ونائب رئيس حزب «التحالف الشعبي» عبد الناصر إسماعيل، جاءت دفعة واحدة، على رغم اختلاف القضايا التي سُجن المستهدفون بها بسببها. هؤلاء عادوا جميعاً إلى منازلهم بعد ساعات قليلة من قرارات النيابة، والتي نفّذتها وزارة الداخلية في وقتٍ قياسي، إثر صدورها من جهات عليا. وكانت الاتهامات التي وُجّهت إلى المُفرج عنهم قد تراوحت بين بثّ أخبار كاذبة، ونشر أخبار هدفها الإساءة إلى الدولة. وبينما لم تُبلّغ النيابة المتّهمين ومحاميهم بمنعهم من السفر خارج البلاد، فقد خلا قرار إخلاء سبيلهم على ذمّة التحقيق من أيّ إجراءات احترازية يجب أن يقوموا بها، على رغم الطلب إليهم، بشكل غير رسمي، عدم الحديث عمّا جرى معهم خلال الفترة الماضية.
اختيار المفرَج عنهم لم يكن وليد الصدفة، في ظلّ وجود عشرات الأسماء المعروفة التي لا يزال أصحابها داخل السجون. إذ جاءت هذه الخطوة بعد مفاوضات قادتها «مجموعة الحوار الدولي»، التي يترأّسها النائب السابق، محمد أنور السادات، رئيس «حزب الإصلاح والتنمية»، والتي تضمّ في عضويّتها عدداً من الشخصيات العامّة، وأعضاء من مجلس النواب، لهم قنوات تواصل مع الجهات الخارجية، بشكل مباشر، ويعملون، على تحسين صورة مصر أمام «المجتمع الدولي». وفي مقدّمة هؤلاء، يأتي السادات الذي صوّت البرلمان السابق على إسقاط عضويّته بسبب تلك العلاقات نفسها، وحَرَمه الترشّح للانتخابات التي جرت العام الماضي. وتسعى المجموعة المذكورة، بدعم رسمي، إلى تبييض صورة مصر الحقوقية، وخصوصاً أمام الإدارة الأميركية الجديدة، التي يجد النظام نفسه مُجبراً على تقديم مزيد من التنازلات لها، على طريق استعادة العلاقات معها شكلها الطبيعي، وخصوصاً بعد جفاء الأشهر الأولى من حُكم الرئيس جو بايدن.
على أن «مجموعة الحوار الدولي»، التي تضمّ مؤيّدين متطرّفين للنظام، على غرار النائب يوسف الحسيني، والسفيرة مشيرة خطاب، لا تزال تصطدم بقرارات مفاجئة تُتّخذ من الجهات العليا. وعلى الرغم من أنها تُبدي إصراراً على تنفيذ مهمّتها، يبقى الرهان الحقيقي على مدى قدرتها على انتزاع قرارات أخرى بإخلاء سبيل مَن بقوا خلف القضبان، وهم بالآلاف، إضافة إلى الحصول على عفوٍ رئاسي لِمَن أُدينوا بأحكام قضائية، لم يعد يملك النائب العام سلطة التدخّل لإلغائها أو تعديلها.