بشقّ الأنفس، أنهت بغداد وواشنطن جولة الحوار الاستراتيجي الثالثة، والتي جاءت نتائجها «مُرْضية» للطرفَين وفق ما أعلناه رسمياً. على أنه بدا أن مسألة الوجود الأميركي في بلاد الرافدين ستظلّ معلّقة، وأن إنهاءه سيبقى محطّ تشكيك من قِبَل فصائل المقاومة العراقية التي لا تثق بالتعهُّدات الأميركية، وتعتقد أن الحوار مع الولايات المتّحدة بجولاته الثلاث لم يكن متكافئاً، كونه انعقد بين طرف محتلّ وآخر واقع تحت الاحتلال. وخاضت الحكومتان، في السابع من نيسان/ أبريل الجاري، جولة حوار ثالثة، تَقدّم الوفدَ العراقي إليها وزير الخارجية فؤاد حسين، ومستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، فيما مَثّل حكومةَ «إقليم كردستان» كلٌّ من: فوزي حريري رئيس ديوان رئاسة الإقليم، ولاوك صلاح مدير مكتب نائب الرئيس وأمانج رحيم سكرتير حكومة أربيل.ويقول مصدر في وزارة الخارجية العراقية، لـ»الأخبار»، إن «نتائج الجولة الثالثة تضْمن إنهاء وجود القوات القتالية الأميركية، وحصْر مهام الوحدات المتبقّية منها على الأراضي العراقية في التدريب، وتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات». ويلفت المصدر إلى أنه «خلال جولة الحوار الأولى، كان عدد قوات التحالف الدولي، ومنها القوات القتالية الأميركية، يقارب 5200 عنصر، لكن الحكومة العراقية استطاعت تخفيض هذا العدد إلى قرابة 2300 عنصر، وهو ما مهّد لخوض الجولة الثالثة التي اتَّفق خلالها الطرفان على تحويل طبيعة القوات المتبقّية في العراق وتغيير مهامها إلى استشارية وتدريبية وبناء قدرات فقط، على أن يبقى وجودها في قواعد عراقية صرفة».
انقسمت مواقف القوى السياسية ما بين مرحّب ومشكّك ورافض


وبينما يحتفي الجانبان بالنتائج المعلَنة، تُشكّك فصائل المقاومة في نيّة الجانب الأميركي الانسحاب فعلاً، وخصوصاً أن البيان الختامي لم يحدّد جدولاً زمنياً لذلك، بل تحدّث عن مناقشة الأمر في «محادثات مقبلة». يُضاف إلى ما تقدّم، أنه على رغم تصريحات المسؤولين العراقيين التي أوحت بأن اتفاقاً جرى على الانسحاب، إلّا أن مسؤولين أميركيين ذكروا أن الجانب العراقي لم يَطلُب رسمياً مغادرة القوات الأميركية، وهو ما جاء، مثلاً، على لسان مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى بالإنابة، جوي هود. وفي هذا الإطار، يُشدّد مصدر سياسي مطّلع، في حديث إلى «الأخبار»، على أن «إسباغ الشرعية على الحوار الاستراتيجي في جولاته الثلاث، وما تمخّض عنها، لن يتحقّق ما لم يُنفّذ قرار مجلس النواب القاضي بجلاء القوات الأجنبية من بلاد الرافدين».
على المستوى السياسي، انقسمت المواقف ما بين مرحّب ومشكّك ورافض. وبينما وصف الكاظمي نتائج الجولة الثالثة بـ»البوّابة لاستعادة الوضع الطبيعي في العراق»، أبدى «ائتلاف النصر»، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، ترحيبه بمخرجات الحوار، وهو ما شاطره إيّاه «تحالف الفتح» (القوى الداعمة للحشد الشعبي)، وإنْ مع تحفُّظ وتشديد على أهمية تحقيق السيادة الوطنية الكاملة، ووضْع جدول زمني واضح ومحدّد وقصير لإنهاء الوجود الأجنبي، مع إعادة السيطرة على القواعد الجوّية العراقية في عين الأسد والأنبار والحرير في أربيل. أمّا زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، فرحّب، بدوره، بالإشارات الواردة في البيان الأميركي ــــ العراقي المشترك، مبدياً تأييده لبقاء بعض القوات الأجنبية لتدريب قوات الأمن العراقية، مع تأكيد رفض تدخُّلها في الشؤون الداخلية للبلاد، في موقف قرئ لدى البعض، ومعه موقف «الفتح»، على أنه دعوة مبطّنة إلى الفصائل لإيقاف هجماتها على المصالح الأميركية. وعلى ضفّة الفصائل، جاء الموقف المُعلَن على لسان الأمين العام لـ»عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، الذي اعتبر بعض ما ورد في البيان من إشارات «جيّداً كونه ضَمِن جزءاً من المطالب الشعبية بإنهاء وجود القوات القتالية وتحويل مهامها إلى التدريب». في المقابل، يُعرِب مصدر في «تحالف القوى العراقية»، في حديث إلى «الأخبار»، عن اعتقاده بأن «الانسحاب الأميركي قد يؤدّي إلى تعميق حالة الانقسام الحاصلة حالياً، وبالتالي قد يقود إلى صراع ينتهي بتقسيم البلاد»، مشيراً بذلك إلى اختلاف مواقف القوى السياسية ما بين مطالِب بإخراج الاحتلال فوراً، وآخر يحضّ على التريّث، وثالث يدعو إلى استمرار الوجود الأميركي.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا