القاهرة | هذه المرّة، لم يأتِ الحديث من مصادر متضاربة، بل عبر تصريحات رسمية من مسؤولين أتراك ومسؤولين في قنوات جماعة «الإخوان المسلمون» التي تبثّ من تركيا، أكدوا صدور توجيهات رسمية تركية بـ«التزام الحياد والتوقُّف عن مخالفة مواثيق الشرف الإعلامية عند تناول الشأن المصري». خطوة تأتي تمهيداً لاتفاقات وتفاهمات عدّة يجري الترتيب لها بين القاهرة وإسطنبول، وسط سقف طموحات مرتفع يصل إلى عقد قمّة ثنائية بين عبد الفتاح السيسي ورجب طيب إردوغان، في حال التزام سلطات الأخير بجميع تعهّداتها، ليس على المستوى الإعلامي فقط، وإنما على مستويات أخرى، كما تشترط القاهرة.وأوضح المستشار في حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، ياسين أقطاي، في دردشة عبر «كلوب هاوس»، أن هذه الخطوة جاءت استجابة لمطالب مصرية، قائلاً إن بلاده لم تكن تتابع ما يُبثّ عبر هذه القنوات، لكنها بعد المتابعة طلبت من القائمين عليها ألّا يكونوا محرّضين، مضيفاً إن المطلوب منهم «إعادة النظر في الخطاب الإعلامي وضبط الألفاظ المستخدمة»، لكنه تعهّد بأنه لن يجري تسليم أيّ مواطن على الأراضي التركية. وعلى رغم نفي أقطاي اعتزام أنقرة تسليم أيّ مصري أو إعادة المطلوبين أمنياً، تسود حالة تخبُّط شديدة القنوات المعارضة التي تعاني من أزمات مالية متعاقبة، دفعتها إلى تقليص العمالة وتخفيض النفقات. وستكون لندن هي الوجهة الأولى لكثيرين، وخاصة الذين توقّفت برامجهم حالياً.
في المقابل، لم تُعلّق مصر على القرار التركي، الذي تبعه قرار غير معلن في الإعلام المصري، سواء الذي تديره المخابرات أو الرسمي، بمنع أيّ إساءات بحق إردوغان، ووقف الأخبار السلبية عن تركيا سياسياً واقتصادياً، لكن مؤقّتاً، مع تأكيد الاستمرار في متابعة ما يجري بثّه من إسطنبول للتأكُّد من التزام الطرف التركي بما أُعلن رسمياً. مع ذلك، أثارت مسارعة وزير الدولة للإعلام، أسامة هيكل، إلى الترحيب بوقف الانتقادات عبر القنوات العاملة في إسطنبول، استياءً في الأوساط الموالية للنظام، ولا سيما مع تجاوز الوزير صلاحيّاته ليتحدّث في الشأن السياسي، علماً بأنه أحد الوزراء المتّخذ قرار باستبعادهم في التعديل الحكومي المرتقب.
يشعر المسؤولون المصريون بالارتياح لتحقُّق الشرط الأول لقبول القاهرة الجلوس على طاولة المفاوضات وبحث الخلافات مع أنقرة، علماً بأن ثمّة جدولاً زمنياً وترتيبات يفترض أن تنتهي بلقاء مشترك يجمع السيسي وإردوغان، سواء في بلد ثالث أو باستضافة الأخير في القاهرة، في حال تنفيذ جميع المطالب، بما يسمح بإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل 2013، وهو ما يتوقف على مدى الإسراع في الخطوات التركية، وخاصة في المواقف الدولية التي تعدّ النقطة الأهمّ الآن، بحسب ما يقوله المصريون. والنقطة التالية، من وجهة نظر القاهرة، هي إعادة المرتزقة الذين أُدخلوا إلى ليبيا ودعم حكومة عبد الحميد دبيبة، الأمر الذي ستناقشه مصر مع الجانب التركي الذي توقّف منذ مدة قصيرة عن إرسال مزيد من المقاتلين، مع وجود تقارير تتحدث عن الاستعداد لبدء إعادتهم إلى بلادهم مجدّداً أو على الأقلّ صياغة آلية للتعامل معهم ووقف استخدامهم.
من الشروط المصرية أن يبادر إردوغان إلى طلب مكالمة السيسي ولقائه


لكن مصر، التي تستضيف أوّل الاجتماعات الرفيعة المستوى بين مسؤولي البلدين، لا تتوقّع تطبيعاً سريعاً للعلاقات، وخاصة أن مثل هذه الخطوة تحتاج، على الأقلّ، إلى التنسيق مع حلفاء مصر العرب، وفي مقدّمهم السعودية التي تتّسع الهوّة معها يوماً بعد آخر بسبب سياسات وليّ العهد، محمد بن سلمان، وطلباته من القاهرة، والإمارات التي تتابع بحساسية عالية جميع المواقف، مع كلّ من فرنسا واليونان وقبرص. على أيّ حال، تتوقّع مصر أن تكون القمّة بين السيسي وإردوغان بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا أو ربّما قبل ذلك، لكن طبقاً لمدى استجابة أنقرة للشروط المصرية، وفي مقدّمتها أن يعلن إردوغان طلبه محادثة السيسي ولقاءه وليس العكس، وهي نقطة يجد فيها المسؤولون المصريون ردّ اعتبار إلى الرئيس بعد التعليقات السلبية من إردوغان بحقه على مدار سنوات. أمّا تركيا، كما تنقل مصادر مصرية، فلا ترى حرجاً في التواصل مع السيسي بصفته رئيساً لمصر، مع «تأكيد الروابط التاريخية التي تجمع بين الشعبين»، وهي اللغة المشتركة الآن في خطابات مسؤولي البلدين، علماً بأن جزءاً كبيراً من المخاطبات الرسمية المصرية التي تصدر عبر مصدر مسؤول في الخارجية تخرج من المخابرات التي تدير الملف كلّياً، بتوجيهات من اللواء عباس كامل.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا