بغداد | أكثر من دلالة حملها الهجوم الصاروخي الذي استهدف، أمس، البقعة المشغولة من قِبَل قوات الاحتلال الأميركي في قاعدة عين الأسد الجوّية، غرب العراق. في الإطار العام للأحداث، ثمّة مؤشّران أساسيان: الأوّل، عودة الرسائل المتبادلة بين الاحتلال الأميركي من جهة، ومناهضيه من جهة أخرى، عبر الميدان العراقي، بعد تهدئة دامت لأسابيع؛ والثاني، إمكان الاتّجاه نحو تصعيد أكبر في العراق خصوصاً، وفي المنطقة عموماً، على وقع الشدّ والجذب في شأن المفاوضات المتّصلة بملفّ إيران النووي، ومآل الحرب المستمرّة على اليمن للعام السادس على التوالي، واحتمال تطوّر المواجهة بين إسرائيل ومحور المقاومة إلى معادلات جديدة لم تكن مفعّلة سابقاً. اللافت، هذه المرّة، أنه لم تصل بغداد، عبر القنوات غير الرسمية، رسائل نفي إيرانية لعلاقة الجمهورية الإسلامية باستهداف المصالح الأميركية، وهو ما عدّته السلطات العراقية إشارة إلى تبدُّل ما في الموقف، بعدما سعت، طوال الفترة الماضية، إلى ما تُسمّيه «ضبط الاشتباك الإيراني - الأميركي».في التوقيت المحلّي، يأتي الهجوم على «عين الأسد»، والذي يُعدّ الثاني خلال أسبوعين، قبل يومين من زيارة بابا الفاتيكان، فرانسيس، إلى الأراضي العراقية، علماً بأن قيادات عديدة في البلاد، على رأسها زعيم «التيّار الصدري» مقتدى الصدر، حذّرت من وقوع هجماتٍ مماثلة، من شأنها إحراج حكومة مصطفى الكاظمي التي ستَظهر مجدّداً في صورة العاجز عن ضبط الأوضاع. لكن بمعزل عن تلك الحسابات، فإن العملية أتت ردّاً على القصف الذي نفّذته قوات الاحتلال الأميركي على إحدى نقاط انتشار «الحشد الشعبي» عند الحدود العراقية - السورية الأسبوع الماضي، والذي أسفر عن استشهاد مقاتل ينتمي إلى «كتائب حزب الله - العراق»، وهذا ما دفع الأخيرة إلى التلويح بـ»الرّد على العدوان». وهو تطوُّر يشي، بحسب أكثر من مصدر أمني وعسكري، بـ»دخولنا في مرحلة جديدة من المواجهة بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال».
وتُنبّه المصادر إلى أن هذا التحوُّل، الذي يعقب «تهدئةً» سبقت رحيل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ليس سوى «نتيجةً طبيعية» لتأخُّر الحكومة في تنفيذ القرار البرلماني (كانون الثاني/ يناير 2020) القاضي بتنظيم عملية خروج القوات الأجنبية من البلاد. وفي مقابل ذلك، تقول مصادر حكومية بارزة إنها «تنتظر موعداً من إدارة جو بايدن لاستئناف جولات الحوار الاستراتيجي»، معتبرة، في حديثها إلى «الأخبار»، أن «الكاظمي وفريقه استطاعا، في وقت قياسي، تنظيم انسحاب قوّة قوامها 5000 جندي، وهما ماضيان في رسم شكل علاقة بغداد بواشنطن، على مستوى التعاون العسكري».
إصابة الأهداف بدقّة يرجَّح أن تكون ترجمةً لبدء استخدام أسلحةً دقيقة


في الشكل، بدا لافتاً عدد الصواريخ التي استهدفت قوات الاحتلال هذه المرّة، إذ لم يتجاوز عددها سابقاً، في أيّ هجوم، 5، فيما بلغت أمس 13 صاروخاً أصابت أهدافها بدقّة، وفق المصادر، وهذا يحمل الرسائل التالية:
1- أيّ عدوان أميركي سيُواجَه بردٍّ مواز، وفصائل المقاومة جاهزة لذلك.
2- المسافة الفاصلة بين منصّة الإطلاق والقاعدة تؤكّد قدرة الفصائل على المناورة، ومعرفتها الدقيقة بميدان المواجهة، الأمر الذي يمنحها تفوُّقاً عملياتياً ضدّ قوات الاحتلال.
3- إصابة الأهداف بدقّة يرجَّح أن يكون ترجمةً لبدء استخدام أسلحةً دقيقة، سبق أن لمح عددٌ من قادة الفصائل إلى دخولها الخدمة.
4- لن تقبل فصائل المقاومة بأيّ صيغة جديدة لاحتلال البلاد؛ فلا «الناتو» ولا «التحالف الدولي» سيكون مقبولاً انتشارهما، والمسمّيات الجديدة «لن تكون مطيّةً لتمرير بعض الأجندات المشبوهة».
5- ترفض الفصائل اعتبار عمليّاتها مُوجّهة ضدّ الحكومة ورئيسها، الذي لا تزال ملتزمة بدعمه.
يُذكر أن ثمّة تكتّماً أميركياً - عراقياً (رسمياً) على حصيلة الهجوم. فبينما تحدّثت بغداد عن أن القصف «لم يسفر عن خسائر كبيرة»، نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مصدر عراقي قوله إن «متعاقداً مدنيّاً تُوفّي بسكتة قلبية إثر الهجوم الصاروخي على القاعدة»، قبل أن تُعلن وزارة الدفاع الأميركية أن جنسية المتعاقد المذكور «أميركية». وأشار المتحدث باسم «البنتاغون»، جون كيربي، إلى أنه «لا يمكننا تحديد المسؤولية في الوقت الحالي، وليس لدينا تقدير كامل لحجم الأضرار». وتَوعّد البيت الأبيض، بدوره، بالردّ على الهجوم في حال اتضح أنه «مدعوم من إيران»، قائلاً على لسان الناطقة باسمه، جين بساكي: «قمنا بالردّ على الهجمات الأخيرة المدعومة من إيران، وهذا سيكون النموذج الذي سنتّبعه من الآن فصاعداً». وفي تفاصيل العملية، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولٍ في قيادة عمليات بغداد أن «13 صاروخاً أُطلقت من موقع على بعد نحو 8 كيلومترات من القاعدة»، في حين أوضح مصدر قيادي في «الحشد العشائري» في محافظة الأنبار أن «الصواريخ أُطلقت من منطقة البيادر، وهي منطقة زراعية فيها الكثير من البساتين، وقد عُثر فيها على سيارة من نوع بيك آب كانت تحمل منصة الإطلاق».