صنعاء | للمرّة الثانية خلال العام الجاري، لوّحت السعودية بتدويل أزمتها في اليمن ونقل المعركة البرّية الخاسرة إلى البحر الأحمر وباب المندب. وفي أعقاب تهديدات جديدة أطلقتها صنعاء الأسبوع الماضي بهجمات جوية على المنشآت العسكرية والاقتصادية الحيوية للمملكة، زعمت الرياض أنها أفشلت عدداً من العمليات البحرية التي ادّعت أنها أُطلقت من ميناء الحديدة غرب اليمن، وهي الذريعة نفسها التي لجأ إليها تحالف العدوان قبل خمسة أشهر لتشديد حصاره على ميناء الحديدة، ومنع عشرات السفن المُحمّلة بالغذاء والدواء والوقود من الوصول إلى الميناء، متسبّباً بأزمة خانقة في المشتقات النفطية كادت توقف الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية والخدمية كافة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة صنعاء. رسائل صنعاء التي وصلت إلى ميناء جيزان وعدد من مطارات المملكة خلال الفترة الماضية، كانت جوية وليست بحرية، وآخرها استهداف منصة التفريغ العائمة التابعة لمحطة توزيع المنتجات البترولية في جيزان مطلع الأسبوع الجاري. ومع انهيار الدفاعات الجوية السعودية، وعجزها عن حماية منشآت المملكة الاستراتيجية، عمدت الرياض إلى التهويل في شأن أثر تلك الضربات التي تتلقّاها، والتي لم يُعلَن معظمها من قِبَل صنعاء، واعتبرت الرسالة الأخيرة التي أدّت إلى احتراق منصة تفريغ النفط في ميناء جيزان تهديداً لإمدادات الطاقة العالمية وللتجارة العالمية، على رغم أن مطالب صنعاء واضحة ولا تتجاوز وقف القرصنة البحرية التي يمارسها تحالف العدوان في البحر الأحمر، والإفراج عن سفن الوقود المحتجزة منذ خمسة أشهر، وعلى متنها أكثر من 320 ألف طن من مادّتَي البنزين والديزل، والالتزام بعدم إعاقة مرور الشحنات التجارية التي تخضع لآلية التفتيش الأممية في جيبوتي وفق القرار الدولي 2216 وحصولها على تصاريح دخول إلى الميناء.
وجاء ردّ الرياض على رسائل صنعاء في صورة اتهامات للأخيرة بتهديد الملاحة الدولية في باب المندب وجنوب البحر الأحمر. وزعم تحالف العدوان، في بيان صادر عنه السبت الماضي، أن "قواته البحرية عثرت على لغم بحري نشره الحوثيون جنوب البحر الأحمر لتهديد الملاحة الدولية، من أصل أكثر من 170 لغماً بحرياً". واتهم البيان، الذي جاء بعد يوم واحد من إعلان المتحدث باسم "التحالف" تركي المالكي قيام البحرية السعودية بتدمير زورقين مفخخين قال إنهما انطلقا من محافظة الحديدة، قوات صنعاء بـ"تحويل ميناء الحديدة إلى مكان لإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار والزوارق المفخخة والمسيّرة عن بعد وكذلك نشر الألغام البحرية عشوائياً". لكن مصادر في الميناء أبدت استغرابها من حالة "الهوس" التي يعيشها "التحالف"، واعتبرت في حديث إلى "الأخبار" تلك التصريحات "تحريضاً واضحاً على ميناء الحديدة المدني والذي يوجد في داخله عدد من المراقبين الدوليين التابعين للأمم المتحدة وفق اتفاق استوكهولم"، مُحمّلة الأمم المتحدة المسؤولية الكاملة عن تداعيات هذا التحريض الذي يكشف "توجّه العدوان للاستمرار في تشديد الحصار".
مصادر في ميناء الحديدة أبدت استغرابها من حالة «الهوس» التي يعيشها «التحالف»


وكانت قد سبقت صنعاء، التي تتعامل مع ملف أمن البحر الأحمر بعقلانية وحذر، اتهامات العدوان، بالكشف عن ضلوع السعودية في نقل العشرات من عناصر تنظيم "القاعدة" من محافظتَي البيضاء وأبين (عقب سقوط معاقل التنظيم منتصف آب/ أغسطس الماضي في مناطق يكلا وقيفة تحت سيطرة الجيش واللجان الشعبية) إلى الساحل الغربي. وخلال لقاء نائب رئيس هيئة الأركان العامة التابع لصنعاء، اللواء على الموشكي، نائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، دانييلا كروسلاك، قبل حوالي أسبوعين، حذّر الموشكي، وهو رئيس فريق صنعاء لإعادة الانتشار في الحديدة، من "تداعيات استقدام قوى العدوان والسعودية لمجاميع من الإرهابيين ونشرهم على الشريط الساحلي للمخا وباب المندب بغرض استهداف السفن العابرة للمضيق وتهديد أمن الملاحة الدولية"، وطالب "الأمم المتحدة بالقيام بدورها وإلزام دول العدوان بإيقاف الخروقات في الحديدة وإطلاق سفن المشتقات النفطية"، مؤكداً "التزام الجيش واللجان الشعبية بتنفيذ التزاماتهما في ما يتعلّق بمحافظة الحديدة، على الرغم من الخروقات المستمرة لقوى العدوان" .
وفي أعقاب ذلك، شهدت سواحل الحديدة، الأحد الماضي، أول عرض عسكري بحري لعدد كبير من الزوارق القتالية المختلفة. العرض الذي نَظّمته قيادة قوات خفر السواحل (قطاع البحر الأحمر) التابعة لصنعاء، بحضور قيادات عسكرية وأمنية كبيرة، تزامن مع إطلاق مشروع إعادة جاهزية الزوارق البحرية، في إطار مواكبة تطوير أداء عمل خفر السواحل، لحماية الموانئ التجارية ومراكز الإنزال السمكي وحماية المياه الإقليمية، بحسب الموقع الرسمي للجيش في صنعاء. وعلى رغم محاولات دول العدوان والقوى المرتبطة بها توظيف العرض البحري خارج مساره الطبيعي، واعتباره مقدمة لزعزعة أمن البحر الأحمر، أكد مصدر في السلطة المحلية في الحديدة، لـ"الأخبار"، أن "العرض العسكري البحري حق مشروع لقوات خفر السواحل"، مُذكّراً بأن الأخيرة "تَسلّمت موانئ الحديدة (الحديدة ــــ الصليف ــــ رأس عيسى) من الجيش واللجان الشعبية وفق خطة الانسحاب في أيار/ مايو 2019، بحضور ممثلي الأمم المتحدة ولجنة إعادة الانتشار الأممية"، مضيفاً إن تلك القوات "معنيّة بحماية المياه الإقليمية، وتقوم بحماية السفينة (أم في بلوفورت) التابعة للأمم المتحدة، والتي ترسو قبالة ميناء الحديدة منذ عامين".
ويعرب الخبير العسكري، العقيد مجيب شمسان، عن اعتقاده بأن "الاتهامات السعودية الأخيرة تأتي في إطار تهيئة دول العدوان الرأي العام الدولي لمعركة محتملة في البحر الأحمر، تعمل دول العدوان بالتنسيق مع أميركا وإسرائيل على التحضير لها منذ عدّة أشهر"، لافتاً إلى أن "مهمة تحالف العدوان في البحر الأحمر والساحل الغربي حماية أمن إسرائيل في البحر الأحمر في ظلّ موجة التطبيع المخزية". وإذ يعتبر "اقتراب حسم معركة مأرب مؤشّراً لتفجير الأوضاع في البحر الأحمر باعتبارها معركة العدوان الأخيرة التي من خلالها يسعى إلى ضمان أمن إسرائيل وتدويل باب المندب"، فهو يرى أن "الاهتمام الروسي بباب المندب والحديدة يأتي في سياق القيام بدور مستقبلي، باعتبار موسكو طرفاً مقبولاً لدى مختلف الأطراف، وعمدت إلى تقديم نفسها كطرف وسيط في الصراع في اليمن منذ ستّ سنوات"، متوقعاً أن "تؤدي روسيا دوراً كبيراً خلال الفترة المقبلة في قضية الحديدة والساحل الغربي. ووفق المخطط المرسوم، فإن موسكو ستدفع بقواتها إلى باب المندب بالاتفاق مع الدول الكبرى كقوات حماية دولية"، مُرجّحاً أن "تحصل حكومة الإنقاذ على تسهيلات كبيرة بضغوط روسية كفتح المطارات والموانئ" .

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا