ماذا ينتظر الرأي العام البحريني من رئيس الوزراء الجديد، سلمان بن حمد آل خليفة؟ وهل سيتمكّن الابن البكر للملك من إدارة منصبَيه الرفيعين المتناقضين: ولاية العهد ورئاسة الوزراء؟ وكيف تنظر قوى المعارضة إلى وصول مَن رأته يوماً شريكها في الإصلاح إلى أكبر منصب تنفيذي؟ وأين تتموضع المؤسسة العسكرية وأجنحة القصر بعد رحيل رئيس الوزراء خليفة بن سلمان؟ وأيّ مؤثرات يُدخلها المحور السعودي، ووصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، على المعادلة البحرينية؟ تلك أسئلة حاضرة بقوّة، وسنجيب عن بعضها بتركيز.
الأولوية القصوى
ليست الملفات السياسية والاقتصادية هي التي تشكِّل أولوية ملحّة لرئيس الوزراء الجديد. حتّى يتمكّن الرجل من الاحتفاظ بمنصبه ولياً للعهد، ويتسلّم العرش، في حال شغور المنصب، كما هو معمول به في المَلَكيات المطلقة، فإن أولى الأولويات وأكثرها جسامة تقتضي أن يحتفظ بثقة أبيه الملك.
وعلى رغم الحديث المشهور عن استقرار ولي العهد في موقعه من دون مزاحمة، فإن «الدنيا لا أمان لها»، ما دام دستور مملكة البحرين يمنح الملك تعيين أيٍّ من أبنائه ولياً للعهد، وليس بالضرورة الابن البكر. فولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ليس أكبر أبناء الملك سلمان، وولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، ليس أكبر أبناء الشيخ زايد بعد أخيه خليفة. والأمير القطري، تميم، ليس أكبر أبناء الأمير السابق حمد. إضافة إلى ما سبق، لا يمكن لسلمان بن حمد أن ينسى شكل الملك الأردني الراحل، حسين بن طلال، حين أصدر، في عام 1999، قبل سويعات من رحيله، قراراً بإزاحة شقيقه الحسن، وتعيين ابنه عبدالله ولياً للعهد.

الملك رئيس الحكومة
ما سبق يعني أن أيّ مشروع لولي العهد، اقتصادياً كان أم سياسياً، لا بدّ أن ينسجم بشكل مطلق مع إرادة الملك، سيّد التشدّد. وطوال عشرين سنة مضت، كان ابن حمد «أميناً لنهج والده»، بالنظر أيضاً إلى أن الملك هو رئيس السلطة التنفيذية، دستورياً، وأن النظام في البلاد يستند إلى النظام الرئاسي الذي يتزعّمه القصر، فيما ولي العهد ينفّذ حصراً تكليفات والده. وهذا لا يمنع وجود قدرٍ من المساحة له في إدارة الملفات غير السياسية والأمنية والعسكرية.

المحمّدان
بيدَ أن حيازة ثقة الملك ليست كافية، فعلى ابن حمد أن يحوز سنداً مستمراً من قِبَل الرجلين القادرَين على تغيير المعادلة البحرينية: محمد بن زايد ومحمد بن سلمان. يشكّل هذا الرجلان، في الآن ذاته، سنداً وخطراً للحكم الخليفي في البحرين. وهما يقيّدان أيّ تطلّع مفترض للملك أو رئيس الوزراء إلى استحداث مسار سياسي واقتصادي مستقلّ، داخلياً وخارجياً.

المؤسسة العسكرية
بإقصاء رئيس الوزراء الراحل وأجنحته في السنوات الأولى من حكم الملك حمد عن دوائر القرار، فقد استأثر جناحا القصر: جناح الخوالد وجناح ولي العهد، بإدارة ملفات الدولة المختلفة، منفّذَين ما أُسميه «استراتيجية حمد». ومع بلوغ قائد الجيش، المشير خليفة بن أحمد، سنّ الـ74، فإن التفكير في بدائل صار على الطاولة. فلا يمكن توقّع أن يرث «الخوالد» المؤسسة العسكرية، التي ستظلّ بالضرورة حكراً على أبناء الملك، أو نسل حمد بن عيسى. ويُعتقد أن منصب قائد الجيش سيؤول إلى ناصر بن حمد، في ظلّ تصوّر نَفترض أن الملك يتبنّاه بتوزيع النفوذ بين أجنحة «التشدّد» (الخوالد) و«الاعتدال» (ولي العهد)، المفترضة داخل القصر. وبالتالي، يُرجَّح أن يُمنح المتشددون، في شخص ناصر، موقع قيادة الجيش، ليكون رقماً صعباً في المعادلة، وهذا سبب جوهري في أن يؤول منصب رئاسة الوزراء إلى سلمان، في ظلّ رغبة نفترضها لدى الملك بتوزيع النفوذ بين أبنائه.
يُرجح أن يُمنح المتشدّدون، في شخص ناصر بن حمد، موقع قيادة الجيش


ولاية العهد ورئاسة الوزراء
ربّما تشكل رئاسة الوزراء وجعاً للرأس، أو حتى خطراً على ولي العهد من ناحيتين؛ الأولى، تقوية ناصر في الجيش بما يُمكّنه من كسب الموالين والقطاع العسكري المؤثّر في القرار. والثانية، اكتساب رئيس الوزراء الجديد مزيداً من الحنق الشعبي جرّاء أيّ إخفاق حكومي متوقَّع، في ظلّ انخفاض أسعار النفط، وزيادة البطالة، والأزمة السياسية المستفحلة، التي تقيّد بالضرورة تحقيق أيّ إصلاح اقتصادي مدّعى. إذاً، فإن إسناد رئاسة الوزراء إلى الابن الأكبر للملك يعود في جزء منه إلى تقاسم النفوذ في ما بين الأجنحة. بيدَ أن هذا يجعل ولي العهد في صدام مباشر مع الجمهور، الذي لطالما اتهم الحكومات المتعاقبة بالإخفاق. الإشكال الآن، أن بعض الجمهور سيواجه صعوبة إذا أراد تجنيب ولي العهد الذي يقود حكومة فاشلة، النقد. وربّما يريد الطرف الموالي، عموماً، تجنيب ولي العهد النقد لأنه اعتاد تبجيل أعمال الحكومة. وربّما تريد بعض الجهات المعارِضة تفادي توجيه نقد حادّ إلى ولي العهد لأنها تسعى إلى الاحتفاظ بعلاقات ودية مع الملك المقبل، الذي تراه يحظى بنفوذ أوسع الآن. لكن، يُعتقد أن جمع الرجل للمنصبين يجعل الجميع أمام معضلة كبرى وتوتّر مكتوم، لا بدّ أن يظهر إلى السطح وهو ليس ببعيد.

مهارات القيادة
تدرّب الملك الحالي، حمد، في الجيش على مدى ثلاثين عاماً (1969 – 1999)، بعيداً من أيّ مساءلة شعبية، وفي ظلّ وفرة مالية مع حصول الجيش على نسبة هائلة من الموازنة العامة. وفي الجيش، بنى فريقه المتشدّد الضارب الذي يقوده وزير ديوانه القوي خالد بن أحمد، وفيه بنى النظريات التي قادت البلاد نحو التدهور.
هكذا، كانت الغاية من طرح مشروع سوق العمل، في عام 2004، من قِبَل ولي العهد، تحقيق أهداف غير معلنة، أبرزها: بناء بيروقراطية خاصة لولي العهد في شكل هيئات، بعيداً عن إطار الوزارات الحكومية وديوان الخدمة المدنية، وذلك من أجل: أولاً، توفير موازنة ضخمة لولي العهد؛ ثانياً، تمكينه من الحركة بحرية «دون مساءلة» بافتراض أن البرلمان قادر على المساءلة؛ ثالثاً، تمكينه من التدرب على القيادة؛ رابعاً، تمكينه من إعداد طاقمه الخاص وكوادره التي يثق بها، ويبدو أن الأخير على الأقل لم يتحقّق. وقد أَضعف هذا المسار وجود ولي العهد في الجيش، وبالتالي، يضعف من قدرته على تحقيق برامجه المختلفة كرئيس للوزراء.

فريق ولي العهد
حين نجري مقارنة بين رجالات الملك الباطشين، ورجالات رئيس الوزراء الراحل، المخضرمين سياسياً، يَظهر أن رجالات ولي العهد من النوع «الخفيف الوزن». نعم قد تراهم تقنيين، وخريجي جامعات غربية، لكنهم ضعيفو المهارات السياسية والقدرات التواصلية، ولا حضور شعبياً يُذكر لهم. وبتقييم أداء هذا الفريق خلال عقدين من إمساك ولي العهد بملف الاقتصاد، ونحو سبع سنوات من تولّيه إدارة مجلس الوزراء منذ تعيينه نائباً لرئيس الوزراء في عام 2013، يمكن أن يُسجّل إخفاق ملحوظ، يتحمّل جزءاً منه المناخُ العام، وسطوة الملك، الذي هو - دستورياً - رئيس السلطة التنفيذية.

المعارضة
تجد المعارضة نفسها أمام سؤال التعامل مع الوضع الجديد. وتعتقد أطراف فاعلة فيها أن ولي العهد كان إصلاحياً في عام 2011، مقارنة بأطراف خليفيّة وإقليمية أخرى، لكنها ليست متأكدة أن الرجل ما زال يحمل التطلّعات ذاتها. ولا تملك المعارضة شريكاً في الحكم، وهي تعوّل على أن يكون ولي العهد هذا الشريك، في ضوء توتّر العلاقات مع رئيس الوزراء الراحل، ومضيّ الملك نحو قمع غير مسبوق، والنظر إلى ناصر كشخصية متشدّدة.
وتمنِّي بعض أطراف المعارضة النفس في أن يسعى ولي العهد إلى فتح صفحة جديدة. لكنّ أطرافاً أخرى لا تجد أن ذلك سيحدث عاجلاً. بيد أن قسماً ثالثاً يعتقد أن ولي العهد قد يجد في ضعف المعارضة الراهن وعدم قدرتها على فرض شروطها مدخلاً لإقناع والده بجدوى البحث عن صيغ لإعادتها للعملية السياسية المنهارة منذ عام 2011. والمؤكد أن الملك المتشدِّد لن يقبل بسهولة عودة المياه إلى مجاريها.

السياسة الخارجية
هناك خطأ شائع في البحرين، مفاده أن مجلس الوزراء يشرف على وضع السياسة الخارجية. والواقع أن مجلس الدفاع الأعلى، الذي يرأسه الملك، هو المسؤول عن ذلك، وسيظلّ هذا الملفّ لدى القصر، وبالتالي قد لا تشهد العلاقات مع طهران والدوحة وصنعاء تحسّناً، فيما ستتنامى العلاقات مع تل أبيب. وهذا لا يعني أن رئيس الوزراء الجديد معترض على سياسات كَهذه.

دبلوماسية
حين تُدقّق في تصريحات رئيس الوزراء «الجديد»، يَندر أن تجد تصريحاً مسيئاً لقطر أو إيران أو الشيعة أو المعارضة أو الإسلاميين، أو أيٍّ من خصوم الحكم المفترضين. ويمكن أن يقال إن ابن حمد يتمتّع بدبلوماسية فائقة، أبقت على علاقات مفتوحة مع مختلف الطيف البحريني والإقليمي، وهو يتمتّع بعلاقات واسعة دولياً.

مساءلة ابن حمد
إشكالية جمع منصبَي ولاية العهد ورئاسة الورزاء تُطلّ برأسها داخلياً، ولا يمكن إدارتها بمهارات العلاقات العامة. ويتساءل مراقبون إن كان «الاستقرار»، كما في الرواية الحكومية، يُنال بوجود رئيس وزراء «مقدّس» ويُعتبر خطاً أحمر، أم بتعيين شخصية يمكن للبرلمان والصحافة أن «يكسرا رأسها»، وللملك أن يلعب بها كورقة سياسية، وأن يطاح بها كلّما حدثت مشادات شعبية، فتُقدَّم قرباناً إلى الرأي العام، كما في الكويت والأردن والمغرب. بحسب هذا الرأي، فإن فصل رئاسة الوزراء عن ولاية العهد غايته منع الصدام الحادّ بين القصر والناس، وهي إذ تبغي حماية حقوق المواطنين بوضع رئيس وزراء غير مقدّس وقابل للمساءلة، فإنها تصون مكانة ولي العهد والملك المقبل، شرط أن يتمّ ذلك في سياق نظام دستوري برلماني.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا