لولا محمود عباس لكان ماهر الأخرس حرّاً طليقاً، ولكانت إسراء الجعابيص في منزلها تحتضن وحيدها وتسهر على إعداده، بعيداً من العذابات التي أرهقت روحها ودمّرت جسدها، في انتهاك فظّ وغير معهود للكينونة الإنسانية ذاتها، قبل الحقوق والتطلّعات البسيطة والمشروعة.لولا محمود عباس (سيتكرّر ذكر الاسم في أكثر من موضع، لذا نستميح القرّاء العذر عن اضطرارنا إلى ذلك) لكان باسل الأعرج بيننا، يتابع مهمّة تثوير الوعي الفلسطيني والعربي لجيل ما بعد الانتفاضة التي سبقت خيانة أوسلو، ولسطّر أحمد نصر الجرّار، بطلعته البهية وبسمته الواثقة، اختراقات - بطولات جديدة تضاف إلى السجل الفلسطيني المثقل بالمآثر.
المذكور آنفاً وُجد ليخون، وكلّ قراءة أخرى هي لزوم ما لا يلزم، ولا تعدو أن تكون (هذا إذا صفت النيّات) لغواً لا طائل منه، وهدفه التبرير القاصر لعجزنا جميعاً، فصائل ومنظمات ومناضلين وأصحاب قضية، عن محاكمته بما يليق به وبأمثاله الملطّخة أدمغتهم، قبل أيديهم، بالدم الفلسطيني والعربي. فلولاه لأمكن لأجيال ما قبل أوسلو وحتى ما بعدها أن تُحرّر القرار الفلسطيني وتُثوّره وأن تدفع بالنضال العربي قُدُماً، ولأمكنها، وبسهولة، أن تفرض على لقطاء الخليج الجبناء وسلالاتهم القذرة الإذعان للتاريخ ومعه الجغرافيا، ومواصلة المكوث في جحور الوهابية وكهوفها النتنة، والتفكير مئات المرات قبل التجرّؤ على الجهر بخياناتهم المقرونة بأصل وجودهم والسابقة على اليوم بكثير.
محمود عباس هو مسخ أوسلو. وكيف لا يكون كذلك وهو أحد صنّاعه الأساسيين وثمرته النجسة؟ ولولاه ما أُسِر مَن أُسِر وما استُشهد مَن استُشهد وما جُرح مَن جُرح من أبناء فلسطين وبناتها الأبطال، ولنا في صلابة صدقي المقت وتصميم هبة اللبدي وصمود إسراء الجعابيص وغيرهم أمثلة تحتذى.
محمود عباس هو «المستعرب» الأول، ولولاه لكان الحال الفلسطيني والعربي غير الحال الذي نعيش، ولكانت المقاومة الفلسطينية قد سارعت وتمثلت بشقيقتها (ابنتها!) اللبنانية، وأنجزت أو أسّست لإنجاز مهمة التحرير الكامل، ولفتحت الباب أمام اختصار (وليس حرق) المراحل وتسريعها بعيداً عن العذابات الفلسطينية اليومية في غزة والضفة والشتات، ولشكّلت مع توأمها اللبنانية الحجر الأساس لاستئناف أنبل المهام الناصرية وأرقاها التي سعت نحو استعادة وحدة الأمة، بما هي المهمة المركزية التي تتقدّم (ولا تلغي أو تؤخر) على غيرها من المهام، ولكنا أوشكنا أو اقتربنا من إنجاز المهمة التي حملت تواقيع عز الدين القسام ووديع حداد وغسان كنفاني وأبو علي مصطفى وعماد مغنية ومصطفى بدر الدين وفتحي الشقاقي ويحيى عياش وسمير القنطار وغيرهم وغيرهم.
محمود عباس هو المسؤول الأول والأخير عن كلّ نقطة دم فلسطينية تسقط، هنا، في فلسطين أو هناك في المنافي القريبة والبعيدة. وهو المسؤول الأول والأخير عن دموع الأمهات وحسرة الزوجات وآلام الأسرى وجوع المعتقلين وأوجاع الجرحى وعذاباتهم... وهو أيضاً وأيضاً المسؤول الأول والأخير عن الفساد والضعف والشرذمة وغياب القرار، وتالياً الاستباحة الإسرائيلية للهوية والوجود الفلسطينيَّين.
محمود عباس هو مَن يمنح بنيامين نتنياهو وغيره من المجرمين المرعيّين أميركياً وأطلسياً وخليجياً حق الاستخفاف بكلّ ما له علاقة بالحق الفلسطيني والعربي. يمنحه حق المضيّ في مشاريع الضم والتنكيل والتبديد والإلغاء، كما منحه سابقاً حق الاستفراد بالمقاومين، من أحمد السعدات إلى مروان البرغوثي.
يبقى أن نقول إن كلّ ما ورد آنفاً ليس رأياً ولا تحليلاً، بل هو الواقع الفلسطيني منظوراً إليه بعين عربية، وهي عين الواقع الذي يحاول هذا المستعرب وجلاوزته من عملاء الإسرائيلية حجبه. فمحمود عباس وماجد فرج وصائب عريقات ومحمد دحلان وجبريل الرجوب و... امتداد عضوي ومادي للجهاز الأمني الصهيوني المعروف بالشاباك.
لولاك يا محمود عباس لكان الحال الفلسطيني غير هذا الحال. لكن الأمل، كلّ الأمل، بماهر الأخرس وبرفاقه الكثر المتموقعين في السجون.
في الخلاصة التي لا حاجة لها، خصوصاً مع احتشاد الوقائع والأدلة على فظاعة ما يقوم به المأفون الذي أُجبرنا على تكرار اسمه في أكثر من موضع، يتأكد، وبالملموس، أنه المسؤول الأول والأخير عن معظم ما ينزل بالشعب العربي الفلسطيني من رزايا. أما مسؤولية العدو الصهيوني، ومهما بلغت، وهي كبيرة، فإنها أقلّ تعقيداً، وسبل معالجتها أو مواجهتها أسهل وأبسط بكثير مما يتوهمه بعضنا المهزوم، ولنا في الدروس اللبنانية التي كَوَت الوعي الصهيوني وروّعته عبرة ومثال يدلّ عليه الارتداع الصهيوني المعلن.
إن مسؤولية هذه المومياء القابعة في رام الله كبيرة، خصوصاً أن قذارة الدور الذي يقوم به قد فاقت التوقع، وتخطّى في وظيفيته المجرمة وظيفية كلّ مَن سبقه أو لحقه من عملاء ومأجورين.
محمود عباس سحقاً لك!

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا