بالنسبة إلى الجزائريات، فإن الـ 8 من آذار/ مارس ليس عيداً، بل يوم للنضال من أجل المساواة في الحقوق. منذ بداية الحركة الاحتجاجية في البلاد، حرصت الجزائريات على المشاركة الكثيفة فيها، مع الإصرار على طرح مطالبهنّ التي كثيراً ما جرى تأجيلها في الماضي باسم أولويات أخرى. لأول مرة، برزت الحركة النسوية في الحراك، وأظهرت قدرة على فرض قضية المساواة بين النساء والرجال على جدول الحوار العام، كجزء لا يتجزّأ من المطالب الديموقراطية. فاطمة أوصديق، عالمة الاجتماع الجزائرية والأستاذة في جامعة الجزائر وعضو شبكة مناهضة العنف ضدّ النساء والأطفال، ترى أن الحركة النسائية عملت على احتلال موقع بارز في الحركة الاجتماعية لتمكين النساء من حصد المكاسب السياسية عندما تحين اللحظة المواتية، ورفض العودة القسرية إلى المنازل كما حصل في الستينيات والتسعينيات. «لقد قرّرنا أن نَتميّز عبر تشكيل مربع نسائي في التظاهرات. كلّ يوم جمعة، كنا نتوجّه معاً، كمربع نسائي، إلى الجامعة بين الواحدة والنصف والثالثة من بعد الظهر، مع شعاراتنا ولافتاتنا ومطالبنا، قبل الانضمام إلى بقية المتظاهرين. عندما شكّلنا هذا المربع، تَعرّضنا لنقد شديد، واتُّهمنا بالرغبة في شقّ الحراك، لكننا لم نتراجع. صُعقنا عندما وجدنا أن الصيغة الأولى من برنامج الحراك خلت تماماً من أيّ مطلب خاص بالمساواة، على الرغم من مشاركة النساء النشطة في الاجتماعات التي سبقت إقراره، وتأكيدهن ضرورة إدراجه فيه. حلفاؤنا في الفضاء الجمعوي، المصنّفون ضمن كبار الديموقراطيين، اقترحوا علينا تشكيل لجنة لبتّ هذا الأمر. وقتذاك، أصدرنا بياناً أوضحنا فيه أننا لن نكون قوة ملحقة بأيّ طرف، وثبتنا عند هذا الموقف».مبدأ المساواة، الوارد في الدستور وفي قانون العمل وقوانين أخرى، غير مُطبَّق عملياً. «إذا أخذنا القانون الخاص بالتحرّش الجنسي، وهو قضية محورية بالنسبة إلى الجمعيات النسوية لأنه أحد سبل إجبار النساء على الخروج من سوق العمل، فإن النص التشريعي بصيغته الحالية لا يحمي الشهود. في كلّ مرّة تَقدّمنا فيها أمام القضاء بشكوى تحرش جنسي، كانت تُردّ بسبب غياب الشهود. مثال آخر هو قانون الحمض النووي للنساء العازبات، والذي ينصّ على أن الأب هو المخوّل تقديم الطلب لمعرفة الحمض النووي للطفل. وإذا كان الأب مسؤولاً عن حمل المرأة، ولم يرغب في التزوّج بها، فهو بكلّ بساطة لن يتقدّم بمثل هذا الطلب»، توضح أوصديق. وهي ترى أن مجمل الترسانة القانونية التي تَبنّتها الجزائر، وفي مقدّمها القانون الذي ينصّ على تخصيص حصة 33% للنساء في المؤسسات السياسية، تعترض طريق تطبيقها مصاعب وعقبات جمةّ.
قضية المساواة في الحقوق هي القضية الجوهرية راهناً بالنسبة إلى الحركة النسوية


العقبة الأهم التي تحول دون المساواة الفعلية بين الرجال والنساء هي قانون الأسرة الجزائري الذي صدر سنة 1984، وعُدِّل بشكل طفيف عام 2005، والذي يهدف إلى تكريس الطبيعة المحافظة للمجتمع. برزت داخل الحركة النسوية ثلاثة تيارات تتمايز في موقفها من هذا القانون. أوصديق من التيار الذي «يطالب بإلغائه واستبداله بقوانين مدنية. أنا غير مستعدة للنقاش حول تعديلات محتملة عليه، أولاً لأن مبدأ المساواة هو وحده الذي يتيح انتزاع حقوقنا كنساء، وثانياً لأن من الضروري وجود تيار غير مستعد للمساومات. هذا لا يعني أنني أستخفّ بالتيار المستعدّ للتفاوض، لأن ذلك مطلوب أيضاً. هناك إذاً مجموعة من النساء تعمل من أجل إدخال تغييرات على النص القانوني. هناك أخيراً مجموعة ثالثة تطرح كحلٍّ منحَ حق الاختيار بين القوانين الدينية أو المدنية. رفضنا هذا الرأي لأننا مقتنعات بأن الفئة من النساء التي ستخضع للقانون المدني ستكون بالضرورة الأضعف، والتي لا تعمل، وبالتالي المحرومة من الدخل. لا نقبل بالتأسيس لتراتبية بين النساء».
النضال من أجل المساواة بات أكثر حيوية مع اتساع دور النساء في الحيّز العام: «قمت سنة 1988 بتحقيق ميداني حول عمل النساء، واتضح لي بأن جميع المهن التي تفترض تواصلاً مباشراً مع عامة الناس لا تمارسها عناصر نسائية. اليوم، نجد نساء يعملن في البريد، وبائعات في المتاجر، وعاملات في المقاهي وفي الفنادق. أدى هذا الأمر إلى تغيير كبير في المشهد الجزائري». تجزم عالمة الاجتماع بأن بعض القيم الأنتروبولوجية المركزية بدأت تتحوّل، وأن ذلك قد يفضي إلى اعتبار قانون الأسرة «فاقد الصلاحية». أكثر من 90% من الجزائريات يذهبن إلى المدرسة، و65% يحزن شهادة البكالوريا، و60% يدخلن إلى الجامعة، ولكن نسبة من يحصلن على عمل لا تتجاوز الـ 18%. لا تمنع هذه الحقيقة، أوصديق، من ملاحظة حجم التغييرات داخل البنى العائلية، وإعادة توزيع الأدوار في إطارها، وهي محور أبحاثها الأخيرة. «عندما ندرس الميزانيات العائلية، فإن دخل المرأة العاملة يُستخدم لتغطية قسم كبير من النفقات المنزلية على غرار دخل ربّ العائلة، بينما يقوم الشاب الذي يعمل بدفع إحدى الفواتير في أحسن الأحوال. النساء يأخذن على عاتقهن الاهتمام بالأهل وتغطية نفقاتهم. لاحظنا أيضاً، في قضايا متصلة بالميراث، لجوء أئمة مساجد إلى كتّاب عدل لمخالفة القوانين الخاصة بالميراث، وتوريث بناتهم نتيجة لتأكدهم من عدم قيامهن بطرد بقية أفراد العائلة من المنزل. نحن نشهد بالتالي نوعاً من التفاهم الضمني على كيفية إدارة شؤون العائلة، كان بين نتائجه نمو ظاهرة العزوبية الدائمة بين النساء. خلال أبحاثي سنة 1988، وجدت أن 99% من الفتيات يتزوّجن، وأن السبب الأبرز للعزوبية هو كون الفتاة من أصحاب الاحتياجات الخاصة، لكننا نلاحظ اليوم أن 6,7% منهن أو أكثر لا يتزوجن. إضافة إلى ما تقدّم، فإن القيود على حرية حركة النساء في طريقها إلى الزوال، وتكفي للتأكد من ذلك مراجعة وكالات السفريات. دخل النساء عامل شديد الأهمية، غَيّر من طبيعة حرية الحركة والانتقال، ومَكّن النساء من شراء المساكن، إلى درجة أن بعض الأزواج يقيمون في منازل اشترتها زوجاتهم. ولو استطاعت جميع الجزائريات الحصول على عمل ومسكن، لتمّ تجاهل قانون الأسرة منذ زمن بعيد»، تختم أوصديق.
قضية المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، والتي تدفع إلى إعادة النظر في أسس التنظيم الاجتماعي في الجزائر، هي القضية الجوهرية راهناً بالنسبة إلى الحركة النسوية. تُناضل النساء دفاعاً عن حقهن في التعبير الحرّ عن المطالب والتطلّعات، وعن موقعهن في الحيّز العام، ولانتزاع الاعتراف بأن حقوقهن هي جزء لا يتجزأ من الحقوق الأساسية للشعب الجزائري.