استكمالاً لمسار الوساطة الثلاثي، الذي يشمل أيضاً الترتيبات الاقتصادية والعسكرية، انطلقت، أمس، أولى جلسات الحوار السياسي الليبي في جنيف، برعاية البعثة الأممية. انطلاقةٌ كانت قد شكّلت محور سجال في ليبيا خلال الأيام الماضية، ظهر معه كأن انعقادها ليس أمراً محسوماً. إذ أعلن البرلمان المنعقد في طبرق في شرق البلاد مقاطعتها على خلفية ما اعتبره «غموضاً» محيطاً ببرنامج اللقاء والمشاركين فيه، وخاصة المستقلّين الذين تمّت دعوتهم. وبالمثل، ربطت مجموعة النواب المجتمعة في طرابلس (حوالى 50 نائباً من بين 188)، والداعمة لحكومة «الوفاق»، مشاركتها بمجموعة من الشروط، من أهمّها الالتزام بـ«اتفاق الصخيرات» السياسي كأرضية لأيّ حوار، علاوةً على إنهاء منع إنتاج وتصدير النفط الذي تَبنّته قبائل داعمة لقوات المشير خليفة حفتر. أما «المجلس الأعلى للدولة»، وهو غرفة ثانية للبرلمان تعمل في العاصمة، فقد طالب بتأجيل الاجتماع إلى حين تحقيق تقدّم فعلي في مسار التفاوض العسكري. مع هذا، أصرّت البعثة الأممية على عقد الاجتماع، مهما كان عدد المشاركين فيه، على أمل أن يُسلّط ذلك ضغطاً على المقاطعين ويدفعهم إلى الالتحاق به. وعلى رغم أن البعثة لم تصدر بياناً توضح فيه تفاصيل ما جرى، تَسرّبت بعض المعلومات عن المشاركين والصحافيين الحاضرين في المكان. ووفقاً لتلك التسريبات، فقد شملت قائمة الحاضرين حوالى 18 شخصية، بعضها ينتمي إلى المؤسسات التي أعلنت مقاطعتها، ومن أبرزها الرئيس السابق لـ«المجلس الأعلى للدولة» عبد الرحمن السويحلي، ووزير الداخلية في حكومة «الوفاق» فتحي باشاغا، الذي يبدو أنه حضر بصفته نائباً في البرلمان.
تَواصل انتهاك الهدنة الهشّة القائمة منذ منتصف الشهر الماضي


ويستند المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، في محاولته دفع هذا المسار، إلى الدعم الدبلوماسي الدولي الذين تلقّاه، والذي برز في بيان مشترك صدر مساء أول من أمس عن فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة، دعا إلى «تجنّب العرقلة والانخراط بحسن نية». ويبدو الأمر متشابهاً مع ما حصل في الصخيرات عام 2015، حين خلق الضغط الدولي، مسنوداً بإرادة أطراف المحلية، أمراً واقعاً جديداً، على رغم رفض أغلب الفاعلين لـ«اتفاق المصالحة» الذي كان يفترض أن يحلّ الأزمة السياسية في ليبيا. لكن سلامة يرتكز أيضاً على التقدّم النسبي المتحقّق في الحوار العسكري، المنعقد أيضاً في جنيف. إذ قالت البعثة الأممية، في بيان الإثنين الماضي، إنه تمّ «إعداد مسوّدة اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار، وتسهيل العودة الآمنة للمدنيين إلى مناطقهم، مع وجود آلية مراقبة مشتركة» بين البعثة وطرفَي النزاع. لكن هذا الاتفاق لا يزال مشروطاَ بموافقة القيادات في ليبيا، وينتظر أن يُفصَل في الأمر خلال اجتماع الشهر المقبل، تُحدَّد فيه «اختصاصات ومهامّ اللجان الفرعية اللازمة لتنفيذ الاتفاق المنشود».
بموازاة ذلك، تبذل الجزائر جهوداً لاحتضان مؤتمر مصالحة ليبيّ. وفي هذا الإطار، حطّ الرئيس عبد المجيد تبون، أمس، في الرياض، في زيارة تمتدّ لثلاثة أيام، سيكون الملف الليبي من أبرز محاورها. وتحظى المبادرة الجزائرية بدعم الاتحاد الأفريقي، فيما تجرى محاولات لجمع توافق حولها من دول الجوار والجهات الفاعلة في الملف. ولا تزال أغلب تفاصيل الخطّة الجزائرية غير معلومة، لكن تبون عبّر، في حوار صحافي، عن أمله بأن تحظى بدعم مجلس الأمن الدولي.
في الأثناء، تَواصل انتهاك الهدنة الهشّة القائمة منذ منتصف الشهر الماضي. واتهمت حكومة «الوفاق»، الإثنين الماضي، قوات المشير خليفة حفتر بقصف أحياء في طرابلس، ما أدى إلى إصابة عدد من المدنيين. وفي الطرف المقابل، أعلنت قوات حفتر، أمس، إسقاط طائرة مسيّرة قتالية تركية الصنع جنوب العاصمة، وذلك عقب إسقاط طائرة مماثلة أول من أمس.