السبب الحقيقي وراء عدم مهاجمة ترامب لإيران(...). حربٌ في الخليج الفارسي ستشل نظام النفط العالمي بشكل عميق. إذا ضربت إدارة ترامب إيران، من جانب واحد أو بالاشتراك مع السعودية، واستهدفت منشآت النفط الإيرانية، فإن هذه الهجمات ستؤدي إلى إيقاف العمل بالمزيد من المصادر النفطية. على الرغم من تراجع إنتاج النفط الإيراني، بشكل كبير، منذ أن فرضت الولايات المتحدة العقوبات في عام 2018، إلا أن إيران لا تزال تنتج أكثر من مليوني برميل من النفط يومياً، وتصدّر حوالى نصف مليون برميل يومياً من المنتجات النفطية وغاز البترول المسال إلى مجموعة متنوعة من المستهلكين. ستؤدي الضربات الجوية العسكرية إلى إزالة هذه الإمدادات للأسواق، بينما منتجي النفط الآخرين يكافحون لتعويض خسارة الموارد السعودية.
طهران هدّدت أيضاً بالانتقام رداً على الأعمال العسكرية الأميركية أو السعودية. في حال استهدف الإيرانيون منشآت النفط السعودية، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى إيقاف المزيد من المنشآت أو تعطيل الإصلاحات في منشأتي بقيق وخريص. الهجمات التي طالت هاتين المنشأتين سببت ضرراً أكثر ممّا توقّعته التحليلات، وذلك عبر ضرب مرافق معالجة أساسية، بما في ذلك أبراج التثبيت والخزانات، بدقة فائقة. حتى وإن كانت إيران غير مسؤولة بشكل مباشر عن هذه الهجمات، إلا أن المسؤولين السعوديين قالوا إن المعتدين استخدموا أسلحة إيرانية. إذا كانت هذه الادعاءات دقيقة، فإن لدى طهران القدرة على إلحاق مزيد من الضرر الكبير بصناعة النفط السعودية. وعلى الرغم من أن السعودية قد قامت بتحصين نظام الدفاع الجوي لديها بعد هجمات نهاية الأسبوع، لكن قدرة المملكة على حماية منشآت نفط مهمة من الطائرات من دون طيار أو الصواريخ المنخفضة، باتت غير مؤكدة. يمكن لإيران أيضاً أن ترد على الضربات الأميركية أو السعودية من خلال محاولة منع نقل النفط (...). أخيراً، يمكن لإيران أن تحاول إغلاق مضيق هرمز. لقد هددت بتعطيل العمل عبر الممر المائي على مدى أشهر (...). المسؤولون السعوديون كانوا يعملون على إعادة الثقة بشركة النفط الوطنية بعد هجمات نهاية الأسبوع (...). ولكن الشكوك كثيرة، وأي اضطرابات إضافية ستؤدي إلى إحداث فوضى في تقييم الشركة، وأيضاً في خطط الزعيم السعودي محمد بن سلمان لاستخدام عائدات الاكتتاب العام من أجل تمويل تنويع بلاده الاقتصادي (...).
إدارة ترامب تملك حوافز قوية لتفادي التصعيد. على الرغم من أن الولايات المتحدة هي الآن أكبر منتج للنفط في العالم، على ما أشار إليه الرئيس دونالد ترامب أخيراً، إلا أن البلاد ليست منيعة على عدم الاستقرار. سوق النفط عالمية، لذا حتى لو تحوّلت الولايات المتحدة إلى مصدّر للنفط الصافي، فإنها ستتأثر بارتفاع أسعار النفط. ستدفع مصافي التكرير الأميركية أكثر مقابل النفط الخام، بغض النظر عن مكان نشأته. وعندما ينتقل هذا الارتفاع في الأسعار إلى العملاء، سيدفع الأميركيون أكثر. ارتفاع أسعار النفط ليس شعبياً. وهذا الأمر خطير، خصوصاً في عام انتخابي. يمكن لضرب الجيب الأميركي أن يقوّض على الفور دعم إعادة انتخاب ترامب. ارتفاع أسعار النفط المستمر يمكن أن يدفع البلاد إلى الركود (...). يبدو أن إدارة ترامب قد أدركت بشكل تدريجي الثمن السياسي الذي يمكن أن تدفعه مقابل تصعيد النزاع (...). هذا التردّد الجماعي في الانتقام، من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين والسعودية، يعني أن من ارتكب الهجمات على بقيق وخريص سيفلت بفعلته (...).
(فورين بوليسي ــ إيميل ميردينغ)

إيران الضعيفة تُظهر أنها لا تزال تحتجز الاقتصاد العالمي رهينة
سون تزو، مؤلّف كتاب «فن الحرب»، اقتُبس كثيراً. وحتى في الصين القديمة، يعرف قيمة الحرب غير المتكافئة ــ كيف أن القوات الصغيرة، اليوم، مثل حرب الشوارع أو الطائرات من دون طيار، تملك مزايا أكثر من تلك الضخمة، مثل الجيوش الثابتة أو الطائرات المقاتلة التي تصل كلفة تصنيعها إلى مليارات الدولارات. كان يعرف أيضاً أنه يجب توفير هروب للخصم المتضرّر، عبر تقديم نصيحة الطرف الآخر بـ«ترك مخرج حرٍّ، وعدم الضغط على عدوٍّ يائس بشدة».
كلا هذين الدرسين يبرزان عندما يتعلق الأمر بإيران. استراتيجية «الضغوط القصوى» التي يعتمدها ترامب أضعفت إيران وعثّرت اقتصادها على النحو المنشود. ولكن هذا البلد بات أكثر خطورة أيضاً، وذلك بعد دفعه إلى الرد بطرق غير تقليدية تصعب مواجهتها، وبوجود قادته الذين يرفضون العودة إلى المحادثات، بينما يقفون وظهورهم مستندة إلى الحائط.
منذ انسحاب ترامب من اتفاق عام 2015 الذي كان يهدف إلى احتواء طموحات إيران العسكرية وكبح برنامجها النووي، كانت الجمهورية الإسلامية تلمّح إلى وكلائها، وإلى قدرتهم على لعب دور المفسِد (...).
النتيجة هي أن إيران الضعيفة في وضع تفاوضي أفضل من أي وقت مضى، عبر إبقاء الاقتصاد العالمي رهينة في مواجهة الجهد الذي يقوده ترامب والمملكة العربية السعودية وإسرائيل لإجبارها على الخضوع. الدول في أوروبا وآسيا تحاول سحب إيران عن الحافة، عبر استخدام الدبلوماسية وخطوط الائتمان. والدول التي من المحتمل أن تخضع للحرب، مثل الإمارات العربية المتحدة، بدأت تتراجع عن استثمارها في الحملة ضد إيران (...).
يبدو أن الاستراتيجية الإيرانية تؤتي أُكلها. ففي الوقت الذي تبتعد فيه الولايات المتحدة عن العراق، باتت إيران الدولة ذات النفوذ الخارجي المسيطر. لقد سلّحت قوات في سوريا ولبنان، وهي تلعب عبرها دوراً مقرِّراً في سياسات هذه الدول، مهدِّدة الدول الجارة مثل السعودية والإمارات وإسرائيل (...).
(بلومبرغ ــ بنجامين هارفي)