الخرطوم | وجد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك نفسه في موقف لا يحسد عليه، اذ لم تسلم معظم ترشيحات «قوى الحرية والتغيير» لشغل وزارات حكومته من التشكيك، تارة في السيرة المهنية للمرشح وفي شهاداته العلمية، وتارة أخرى في انتماءاته الحزبية. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء المكلّف صرّح بأنه أعاد الأسماء المرشحة لوزارات التجارة والصناعة والسياحة والآثار، إلا أن الشكوك طاولت معظم ترشيحات «الحرية والتغيير»، ما أربك المشهد ككل وأخّر إعلان الحكومة. ويرى مراقبون أن المدى الزمني الذي حدّدته وثيقة الدستور لاختيار الحكومة من قائمة الترشيحات ـــــ أحد عشر يوماً عقب التوقيع ـــــ لم يكن كافياً، بل حتى التأجيل الذي لجأ إليه حمدوك قد لا يكون كافياً لاختيار شخصيات تمتاز بالكفاءة والبعد عن المحاصصات والترضيات. ويضع رئيس الحكومة الجديد معايير صارمة لاختيار وزرائه، تستند بشكل رئيسي الى الكفاءة والمهنية، بالإضافة إلى البعد عن الانتماء الحزبي، ما يجعل الوصول إلى توليفة مثالية أمراً صعباً في ظل ما تواجهه من تحديات. ويبدو أن «قوى الحرية والتغيير» رمت بكل أوراقها في قائمة الترشيحات التي دفعت بها إلى رئيس الوزراء، قبل ثلاثة أيام، ما يوحي بأن لا بديل تمتلكه في حال إرجاع المرشحين.وخلال الأيام الماضية، انتظمت حملة واسعة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ثم انتقلت إلى الصحف، الهدف منها التشكيك في ذمة وولاء بعض المرشحين لشغل الحقائب الوزارية. وقد بدت كأنها حملة ممنهجة قُصد بها تعطيل تشكيل الحكومة، وبالتالي إثارة غضب الشارع العام ضد «قوى الحرية والتغيير». وكان من أبرز تلك الحملات وأشرسها، الهجوم الذي طاول عضو الوفد المفاوض عن «الحرية والتغيير» والمرشح لمقعد وزير شؤون الوزراء، مدني عباس مدني، إذ تناولته سهام التشكيك في ذمّته المالية، إبان إدارته لمنظمة طوعية ممولة من الولايات المتحدة الأميركية، بحسب من أطلقوا الاتهامات. غير أن مدني، ومن خلفه منظمته (نداء)، انبروا للدفاع عن أنفسهم، طارحين أمام الرأي العام كل المستندات الخاصة بالمشاريع التنموية التي نفذتها المنظمة، إضافة إلى توضيح مباشر من المرشح لوزارة شؤون الوزراء. كذلك، طاولت حملة التشكيك والاتهامات العالِمة في مجال الآثار انتصار صغيرون، وهي مرشحة لوزارة السياحة والآثار، فقد اتُّهمت بالانتماء الى النظام السابق، إلا أن «جامعة الخرطوم»، وهي المؤسسة التي تعمل فيها، أصدرت بياناً فنّدت فيه تلك الادعاءات، وسردت السيرة العلمية والمهنية للمرشحة.
ويرى محلّلون أن جهات أمنية تقف وراء هذا الاستهداف، عبر اتباع أسلوب الاغتيال المعنوي، بهدف دفع المرشحين إلى التنحي، وهو ما حدث فعلاً مع عدد منهم، فما كان منهم إلا أن اعتذروا عن عدم ترشيحهم، ومن أبرزهم المهندس صالح ميرغني، المرشح لتولي حقيبة النفط، والذي اتُّهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالانتماء الى النظام السابق.
يسود اعتقاد واسع بأن أيادي النظام السابق هي التي تقف وراء حملات التشويه


وعلى ما يبدو، فإن حالة عدم الشفافية التي تعيشها «قوى الحرية والتغيير»، منذ توقيعها على وثيقة الاتفاق مع المجلس العسكري، منحت المتربّصين من أذيال النظام السابق فرصة للانقضاض على مرشحيها، من خلال تنظيم حملات واسعة من قبل ما يعرف بـ«الدجاج الإلكتروني»، الذي أخذ في توسيع رقعة الشائعات، بنشرها ونقلها عبر كل الوسائل والسبل المتاحة. وانتقد محلّلون ومتابعون هذا السلوك في تشويه سمعة الشخصيات السياسية، وعدّوه أسلوباً يتّصف بالجبن، الذي من شأنه التأثير على العملية السياسية ككل، وبالتالي تعطيل بدء عمل مؤسسات الدولة وإعادة الحياة إلى طبيعتها، وخصوصاً في الجانبين الاقتصادي والمعيشي، اللذين تأثرا بشكل كبير بالفراغ الحكومي. وقال المحلّل السياسي والكاتب الصحافي فيصل محمد صالح، إن «هناك قواعد معروفة لمساءلة الشخصيات العامة في إطار ما يعرف بالشك المعقول، ولكن ليس مطلوباً من أي شخص أن يقوم بالرد علی أي تشكيك أو اتهام بلا أساس». ودعا صالح الجميع إلى عدم نشر أي معلومات عبر وسائل التواصل أو غيرها، قبل التأكد والتحري من صحتها، معتبراً أن نشر أي شخص معلومات خاطئة، يشكل مساساً بسمعة الآخرين، ويجعله مشاركاً في هذا الفعل المشين.
ويسود اعتقاد واسع بأن أيادي النظام السابق هي التي تقف وراء حملات تشويه سمعة الشخصيات المرشحة لتولى مناصب في الحكومة الجديدة، على اعتبار أنها المستفيد الأكبر من عدم استقرار الوضع السياسي، بعد فقدانها السلطة. وقد نجحت إلى حد كبير في إحداث بلبلة، وسط أعضاء الحكومة الجديدة، وما ساعدهم في ذلك هو أن الثورة التي نجحت في إسقاط النظام أغفلت اجتثاث جذور الدولة العميقة من مفاصل الدولة، عبر تضمين مواد وبنود في الوثيقة التي وقّعوها مع المجلس العسكري. وكان ترشيح أعضاء المجلس السيادي من قبل «قوى الحرية والتغيير»، قد شهد، أيضاً، جدلاً واعتذارات مماثلة، قبل أن يتم التوافق على الأعضاء الخمسة، ما يشير إلى وجود تباين واضح وسط «تحالف قوى التغيير»، الأمر الذي قد يسبب مصاعب وتحديات تواجه حكومة حمدوك.