يصلُ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى روسيا غداً، في زيارة «طارئة» استوجبتها التطورات الأخيرة في الشأن السوري عامة، وفي إدلب وريف حماة الشمالي بشكل خاص. لم ينتظر أردوغان إلى حين انعقاد القمة الثلاثية التي يفترض أن تجمعه بنظيريه، الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، ضمن صيغة «أستانا» (11 أيلول المقبل)، فحجز موعداً «قريباً» في «الكرملين»، يأمل من خلاله تكريس تفاهمات بين بلاده وروسيا حول «خفض التصعيد» في إدلب ومحيطها، بما يشمل «مخرجاً» ينهي حصار نقطة المراقبة التركية في ريف حماة الشمالي، ويحيّد احتمال حصار نقاط أخرى مستقبلاً.موقف أنقرة من التطورات الميدانية الأخيرة، ومن خَلفه سلوك الفصائل المسلّحة التي لا تخرج عن طاعتها، يُرجِّح أن يكون سقفُ ما يمكن أردوغان تحصيله من «قمة موسكو» مهلةً زمنية جديدة (محدودة) لتنفيذ بنود «اتفاق سوتشي»، ولا سيما تفكيك «هيئة تحرير الشام» وفتح الطريقين الدوليين (حماة - حلب، اللاذقية - حلب). وكان يُرجّح أن يترك حسم هذه النقاط إلى قمة ضامني «أستانا» الثلاثية، وخصوصاً الجدول الزمني اللازم لتطبيقها، وفق ما أوضحت مصادر ديبلوماسية (غير سورية) مواكبة لكواليس «أستانا» في حديث إلى «الأخبار» (راجع «الأخبار» الأربعاء 21 آب 2019). غير أن وقائع الميدان عجّلت فتح هذا النقاش، ووضعت أنقرة أمام خيارات صعبة، خاصة مع استمرار الجيش السوري في حشد قواته في محيط خان شيخون، مع خريطة أهداف مرحلية تمتد على طول الطريق الدولي حماة - حلب. وتُضاف تعقيدات ملف إدلب إلى خطط التعاون الأميركي - التركي في شرقي الفرات، لتزيد صعوبة المحادثات الروسية - التركية المرتقبة، إذ لا تريد أنقرة (ولا تستطيع حالياً) خسارة التوازنات التي أرستها تفاهمات «أستانا»، لحساب الخطط المشتركة مع الأميركيين في شرقي الفرات، ولا سيما أن انهيار «اتفاق أستانا/ سوتشي» في إدلب، بشكل كامل، ستكون له تبعاته السلبية على مصالح أنقرة ونفوذها في الشمال السوري.
يفترض أن يتولّى المجلسان العسكريان في تل أبيض ورأس العين مواقع «الوحدات» الكردية


بالتوازي، تجهد واشنطن في تقديم «عرض مقنع» لأنقرة، كمرحلة أولى من اتفاق «المنطقة الآمنة» وفق الوصف التركي، أو «الآلية الأمنية» بلغة البيانات الأميركية الرسمية. فمع إعلان «قوات سوريا الديموقراطية» استعدادها للعمل «من أجل نجاح الجهود المبذولة لتحقيق التفاهم أو التوافق مع الدولة التركية»، ضمن الخطط المنسّقة مع الجانب الأميركي، كان أول من أمس موعداً لـ«الحلقة الأولى» من مسلسل «الآلية الأمنية»، إذ حلّقت طائرات مروحية تقلّ ضباطاً أميركيين وأتراكاً فوق المناطق الحدودية التي يفترض أن تغطيها «المرحلة الأولى» من التفاهمات، لرصد عمليات ردم الأنفاق وإزالة السواتر الترابية والتحصينات العسكرية، في موازاة مواكبة الدوريات الأميركية البرية لانسحاب مقاتلين يرفعون أعلام «وحدات حماية الشعب» الكردية من محيط بلدة رأس العين، بعد تسليم نقاطهم لآخرين يتبعون «مجلس رأس العين العسكري»، وذلك على رغم أن العناصر من الطرفين كانوا يعملون تحت قيادة «قسد».
وبحسب ما نقلت شبكة «بلومبيرغ» عن مسؤولين أتراك، فإن الاتفاق بين أنقرة وواشنطن ينص على تنفيذ «دوريات مشتركة» في المناطق الممتدة بين رأس العين وتل أبيض، وبعمق يصل إلى حدود 15 كيلومتراً. كما يتضمن إنشاء 4 نقاط تركية بعد انسحاب «الوحدات» الكردية ومصادرة الأسلحة الثقيلة، على أن تقوم طائرات مسيّرة تركية بعمليات الاستطلاع فوق المنطقة. وعلى حدّ قول المسؤولين للشبكة، فإن الاتفاق يجب أن يسمح للجيش التركي بدخول شمال شرق سوريا من «دون إطلاق رصاصة» (راجع «الأخبار» الأربعاء 16 كانون الثاني 2019). وفي المقابل، نقلت أوساط إعلامية مقرّبة من «قسد» تصريحات منسوبة إلى المتحدث باسمها، مصطفى بالي، قال فيها إن نقاط المراقبة التركية المفترضة ستكون خارج الأراضي السورية لا داخلها، وإن الدوريات التركية لن تكون «بشكل دائم ودوري».
وتشير المعلومات المتوافرة إلى أن ترتيبات الاتفاق الأميركي ـــ التركي من الجانب السوري ستتضمن تقسيم المنطقة بين رأس العين وتل أبيض إلى 6 قطاعات (3 تتبع كل منها)، على أن تتم إدارتها من قبل المجالس العسكرية المحلية (راجع «الأخبار» الأربعاء 10 تموز 2019). وكان الجانب الأميركي قد اجتمع مع قيادة تلك المجالس قبل أيام لتنسيق العملية، وسط تأكيدات من قِبَله بأن «الآلية الأمنية» ستمنع «أي هجوم غير منسّق».