صنعاء | تمكّنت القوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته من صدّ هجوم التشكيلات التابعة لـ«المجلس الانتقالي» على مدينة عتق، مركز محافظة شبوة، بعد اشتباكات ضارية شهدها ليل الخميس ــــ الجمعة. تطوّر ينبئ بأن معركة حلفاء الإمارات في المحافظات الشرقية لن تكون بالسهولة التي جرت بها في عدن وأبين، خصوصاً في ظلّ استعداد «الإصلاح» لمعركة «كسر عظم» في المناطق النفطية، يرى أنها حاسمة ومصيرية.انفجرت الأوضاع عسكرياً في مدينة عتق، مركز محافظة شبوة (شرق)، ليل الخميس ــــ الجمعة، بعد فشل وساطة محلّية في احتواء التوتر بين القوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، والتشكيلات التابعة لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» المحسوب على الإمارات. وليست هذه المواجهات الأولى من نوعها في مدينة عتق، بل سبق أن اندلعت معارك بين الطرفين الشهر الماضي، كادت تسقط المدينة بيد «الانتقالي». الفارق، هذه المرة، أن مخطط المجلس لا يستهدف فقط السيطرة على مركز المحافظة، بل يشمل وضع اليد على بحيرة النفط في المحافظة النفطية الأولى في اليمن، والتمدّد منها باتجاه حقول النفط الأخرى في نطاق وادي حضرموت، وإنهاء وصاية حزب «التجمع اليمني للإصلاح» (إخوان مسلمون) على عدد كبير من القطاعات النفطية في نطاق مديرية بيحان على الحدود مع محافظة مأرب، والتي تُعدّ أحد أهم معاقل القوات الموالية لهادي.
معركة يوم أمس، والتي رتّب لها الطرفان منذ عدة أشهر، تُعدّ مصيرية بالنسبة إلى كليهما. فـ«الانتقالي» وعد بإنهاء «الوجود الشمالي» في شبوة، وطرد القوات المسيطرة على مواردها النفطية، كما عمل على تحريض أبناء المحافظة على المعسكرات التابعة للمنطقة العسكرية الثالثة (مقرّها مأرب) باعتبارها معسكرات تابعة للجنرال علي محسن الأحمر، نائب هادي، والذي يطالب «الانتقالي» بإقالته. في المقابل، دفع حزب «الإصلاح»، خلال الأشهر الماضية، بالمزيد من الميليشيات التابعة له إلى عدد من مناطق شبوة، تحديداً عتق وبيحان والشريط الحدودي مع مأرب، وعزّز وجوده في محيط حقول النفط الشبوانية الخاصعة لسيطرة قوات تابعة للأحمر، تتولّى حماية القطاعات النفطية منذ ما قبل العام 2015. وجاء الدفع بهذه التعزيزات بعدما حاولت ميليشيات «الانتقالي» (النخبة الشبوانية)، منذ مطلع العام الجاري، التمدّد في المناطق النفطية وصحاري شبوة، لتقليص دائرة نفوذ «الإصلاح» المسيطر على معظم القطاعات النفطية المنتجة في المحافظة، بينما يسيطر الانتقالي» على ميناء بلحاف الغازي منذ عامين برعاية ووجود ضباط إماراتيين. ويرى «الإصلاح» أن إفشال محاولات حلفاء الإمارات التوسّع على الأرض كفيلٌ بإسقاط مشروع السيطرة على بحيرة النفط في شبوة، من منطقة العرماء حتى قطاع «جنة 18» النفطي والغازي الواقع على الحدود مع مأرب، ورملة السبعتين وقطاعَي عياد وذهبا النفطيَين، والقطاعات النفطية الأخرى في بيحان ومنطقة العقلة النفطية.
وعلى مدى العامين الماضين، صدّرت شركات نمساوية 11 شحنة من نفط شبوة الخام، الذي يُنقل عبر شركة نقل تابعة لرجل أعمال على علاقة بالأحمر، من منطقة العقلة إلى منطقة العلم، ومنها يُضخّ عبر أنبوب إلى ميناء النشيمة ليباع في الأسواق العالمية. ويتهم أبناء المديريات النفطية في شبوة، الأحمر وقواته، بالتصرف بموارد المحافظة بعيداً عن أي رقابة أو محاسبة، وتصدير النفط وبيعه من دون علم السلطات المحلية. ويربو الإنتاج اليومي من النفط في شبوة على 21 ألف برميل، لكن المحافظة تغرق طيلة العام في الظلام بسبب رفض سلطات مأرب صرف حصة الوقود المُخصّص لها. وما زاد الطين بلّة أن حكومة هادي حاولت، العام الماضي، ضمّ نصف المديريات الغنية بالنفط في شبوة إلى المنطقة الأمنية التابعة لمحافظة مأرب، بعدما فشلت في تقديم الخدمات لأبنائها، وحاولت عوضاً عن ذلك فرض وجودها عسكرياً وأمنياً. ممارسات أتاحت المجال أمام «الانتقالي» للقيام بحملات استقطاب وتحريض واسعة على حزب «الإصلاح» وعلى حكومة هادي، وساعده على إيجاد حاضنة شعبية له في مختلف مديريات شبوة.
سقوط بيحان سيدفع «الانتقالي» إلى تفجير الأوضاع في حضرموت


أبو ظبي، التي اتخذت من شعار «مكافحة الإرهاب» ذريعة للتوغل في شبوة منتصف العام 2017، من دون أن تَدْخل في صدام مع تنظيم «القاعدة» الذي عقدت وإيّاه صفقة خروج وفق ما ثَبت لاحقاً، وضعت نصب عينيها حقول النفط في شبوة وحضرموت، والتي تشكل ما نسبته 70% من إجمالي النفط اليمني. وهو ما اعتبره «الإصلاح» تهديداً حقيقياً لمصالحه هناك؛ فسعى انطلاقاً من ذلك إلى استكمال السيطرة على عدد من المديريات النفطية في شبوة والقريبة من مأرب. وتحت لافتة «الشرعية»، تمكّن خلال العامين الماضيين من السيطرة على عدد من المناطق الاستراتيجية في المحافظة، حيث تعمّد تفكيك «اللواء 19 مشاة» الذي تشكّل من أبناء قبائل شبوة وكان يمثل نواة «المقاومة الجنوبية» غير الموالية للإمارات، بعدما ضمّه إلى قوام المنطقة العسكرية الثالثة، علماً بأن اللواء المذكور كان يسيطر على 90% من مديرية عسيلان النفطية. وعليه، جاء الإجهاز عليه بهدف السيطرة على المواقع العسكرية الاستراتيجية التي كانت تحت يده، والجبال المطلة على حقول النفط كجبل ولد شميس الاستراتيجي، إضافة إلى جبهات الخيضر، وصحراء الضويبي، والطرقات الرئيسة التي تربط عسيلان بمحافظة مأرب الغنية بالنفط، ومواقع حيد بن عقيل جنوباً، حتى طوال السادة ومشارف منطقة النقوب والخيضر وبيت منقوش، وكلها مناطق استراتيجية تحيط بحقول النفط في شبوة من كل اتجاه، إضافة إلى تعزيز وجود «الإصلاح» العسكري في «العقلة»، والدفع بكتيبة تابعة للواء هاشم الأحمر لحماية الحقل الواقع في منطقة صحراوية بين شبوة وحضرموت.
وعلى مدى الشهرين الماضيين، تصاعدت حدّة التوتر بين القوات الموالية لهادي والتشكيلات التابعة للإمارات، إذ عمدت الأخيرة إلى تدبير تفجيرات استهدفت أنبوب النفط بالقرب من منطقة العلم، وذلك بعدما أفشلت قوات هادي محاولاتها التمركز بالقرب من «حقل العقلة»، فضلاً عن فشلها في التقدم باتجاه منطقة مرخة القريبة من حقول النفط أيضاً. تجاذبات اشتدّت وتيرتها بعدما عثر مهندسون تابعون لشركة «OMV» النمساوية العاملة في «العقلة»، في شهر حزيران/ يونيو الماضي، على كمّیات من النفط الخام طفحت من باطن الأرض في منطقة صحراوية قريبة من الحقل في مدیریة عرماء، وهو ما عدّه المهندسون مؤشراً إلى وجود بحيرة نفطية كبرى في المنطقة الصحراوية. وبعد هذا الاكتشاف بيومين فقط، فرضت «النخبة الشبوانية»، بتوجيهات من ضباط إماراتيين يتخذون من ميناء بلحاف مقرّاً لهم، طوقاً عسكرياً حول المنطقة، ومنعت المواطنين من الاقتراب منها، فيما تحدث بعض المصادر عن قدوم خبراء نفط من الإمارات، ورفعهم تقريراً في شأن المخزون النفطي في المنطقة الصحراوية إلى أبو ظبي. عقب ذلك، استمرّ التوتر في خطّه التصاعدي، مع قيام «النخبة الشبوانية» بتحشيد الآلاف من أبناء المحافظة للمطالبة بسيطرة ميليشيات «الانتقالي» على الملفين الأمني والعسكري في مناطقهم، والدعوة إلى خروج «القوات الشمالية» كافة، التي وصفها المجلس بـ«الاحتلال»، توازياً مع استحداث نقاط عسكرية في مديرية مرخة على حدود عسيلان، كبرى مديريات شبوة.
وبالتزامن مع تهديدات «الانتقالي» باستعادة المناطق النفطية في شبوة، والانتقال نحو حضرموت لاستكمال السيطرة على قطاعات النفط التي لا تزال تحت سيطرة قوات الأحمر في وادي حضرموت، دفع «الإصلاح»، أخيراً، بقوات ضخمة إلى مديرية بيحان، التي تبعد عن مدينة عتق، مركز المحافظة، قرابة 200 كيلومتر، وتحدّها شمالاً مديرية عسيلان. ووفقاً لمصدر محلي في محافظة مأرب، تحدث إلى «الأخبار، فإن معركة بيحان ستكون «معركة كسر عظم» بين «الإصلاح والانتقالي». وأشار المصدر إلى أن «الإصلاح دفع بكل ثقله العسكري إلى عسيلان، وعزّز وجوده أيضاً في وادي حضرموت، وهو يستعد لمعركة فاصلة»، منبّهاً إلى أن «معركة وادي حضرموت تبدأ من شبوة، وأي سقوط لبيحان سيدفع الانتقالي إلى تفجير الأوضاع في حضرموت، ومن ثم السيطرة على منفذ الوديعة التابع للمنطقة العسكرية الثالثة»، مضيفاً أن «المعركة لن تتوقف عند حدود المحافظات الجنوبية، بل إن المحطة التالية ستكون مأرب».



خارطة السيطرة في المحافظة النفطية
تسيطر الميليشيات الموالية للإمارات على عدد كبير من مديريات شبوة، كميفعة ورضوم وعتق. وتحت مبرّر حماية ميناء بلحاف، أحكمت سيطرتها على الميناء، ومن هناك امتدّت إلى مثلث العين والمناطق المجاورة له، كما أن لها امتداداً في حطيب ومرخة العليا وجردان. في المقابل، تسيطر القوات الموالية لهادي، ومعها ميليشيات «الإصلاح»، على عدد من المديريات النفطية المهمة التي تضمّ قرابة 13 قطاعاً نفطياً هي: «القطاع 10» في شرق شبوة بالقرب من حضرموت، و«القطاع 5» في منطقة عياد، و«القطاعات S1 و4 وS2»، وكلها في منطقة العقلة، و«القطاعات 1 و2 و3 و20» في صحراء السبعتين، و«القطاعان 69 و70» بالقرب من مدينة عتق. والجدير ذكره أن معظم تلك القطاعات تقع في مناطق مديريتَي عسيلان وبيحان، وتُضاف إليها قطاعات نفطية مشتركة بين شبوة وحضرموت.