على وقع تصاعد وتيرة المعارك في ريف حماة الشمالي، وتقدم الجيش السوري على إثرها، كرّست التعليقات الأولى على الإعلان الأميركي ــــ التركي حول «التعاون» المشترك المفترض في المناطق الحدودية شرقيّ الفرات، الأسئلة حول تفاصيل هذا الاتفاق والإطار الزمني المتوقع لتنفيذه، إن تمّ وفق المخطط. الإعلان العام الذي خرج بالصيغة نفسها عن وزارة الدفاع التركية والسفارة الأميركية في تركيا، يعكس حرصاً أميركياً على امتصاص التصعيد التركي، إذ سبق أن توتّرت الأجواء بين واشنطن وأنقرة، غير مرة، على خلفية تباينات في البيانات الرسمية لكل منهما. غير أن هذا التفاهم العام لم يمنع الطرفين من التعبير عن مقاربتَيهما للاتفاق حول شرقي الفرات، بوسائل مختلفة.فالجانب الأميركي، الذي رحّب عبر وزارة الخارجية بمخرجات التفاوض، عاد إلى استخدام لغة أقل تفاؤلاً في بيان وزارة الدفاع، متعمداً تجنب ذكر تعبير «المنطقة الآمنة» (أو العازلة). إذ قال بيان «البنتاغون» إن «المحادثات العسكرية في أنقرة أحرزت تقدماً على مسار إنشاء آلية أمنية مستدامة في شمال شرق سوريا، تعالج المخاوف المشروعة لحليفتنا في حلف شمالي الأطلسي، تركيا». وأضاف إن «هناك عزماً على إنشاء مركز عمليات مشتركة بين الولايات المتحدة وتركيا، في تركيا، لمواصلة التخطيط والتنفيذ... وسيتم تنفيذ الآلية الأمنية على مراحل»، متابعاً أن «الولايات المتحدة مستعدة للبدء في تنفيذ بعض الأنشطة بسرعة، بينما تواصل المناقشات مع تركيا». وربما يعيد غياب تعبير «المنطقة العازلة»، والحديث عن «مراحل» لتنفيذ الآلية المشتركة، إلى الذهن، مسار تنفيذ «خريطة منبج» المتعثّر، ولا سيما أن تفاصيل الاتفاق الجديد لا تزال غير معلنة.
جاويش أوغلو: لن نعيد ما جرى في تنفيذ «خريطة منبج»


القلق من المقاربة الأميركية التي تترك الباب مفتوحاً أمام «التسويف» وشراء الوقت، حضر أمس في حديث وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، الذي قال إن «الاتفاق يعدّ بداية جيدة» وإن بلاده «لن تسمح» بأن يعاني ملف «المنطقة الآمنة» من «التأجيل» على غرار ما جرى في الاتفاق الخاص بمدينة منبج. وأوضح جاويش أوغلو أن ما جرى الاتفاق عليه هو «إطار عمل»، لافتاً إلى أن «من المهم إنشاء مركز عمليات لتنسيق ومتابعة الخطوات التي سيتم اتخاذها من الآن فصاعداً». وشدد على ضرورة «تحييد جميع مكونات وحدات حماية الشعب، وحزب الاتحاد الديموقراطي، وحزب العمال الكردستاني.. من المنطقة الآمنة»، مشيراً إلى أن هدف الاتفاق هو «تحقيق الاستقرار... لتتم عودة اللاجئين السوريين إلى تلك المنطقة».
تمايز اللغة الأميركية، وتحذير تركيا من «تأجيل» تنفيذ الاتفاق، ترافقا مع غياب أي تعليق روسي رسمي، ومع رفض متوقع من جانب دمشق. موقف الحكومة السورية الرسمي الحادّ الذي اعتبر الاتفاق «اعتداء على سيادة سوريا»، وهاجم «النزعة التوسعية للنظام الإخواني التركي»، جاء ليكرّس غياب أي فرص لتفاهمات (حتى أولية) بين دمشق وأنقرة، وفق «اتفاقية أضنة» مثلاً، وهو مسار كانت موسكو تعمل على تفعيله أخيراً. وسينعكس انعدام احتمالات مثل تلك التفاهمات على كامل المشهد السوري، وخاصة في إدلب ومحيطها، وهو ما تُرجم تصعيداً على الأرض، أفضى إلى تقدم ميداني لافت للجيش السوري أمس، حيث سيطر على بلدة الصخر وتل الصخر وصوامع الجيسات في ريف حماة الشمالي، تحت غطاء جوي ومدفعي كثيف، طاول حتى المواقع الملاصقة لنقاط المراقبة التركية هناك، ولا سيما في محيط مورك.