التدخل المصري العسكري مدفوع الثمن من الخليجيين «الملتقى الجامع» مخطط لضرب الثورة وليس للحل

يعود عضو مجلس النواب الليبي سليمان الفقيه إلى جذور الأزمة في بلاده والدور الدولي في تعميقها قبل هجوم المشير خليفة حفتر على طرابلس وبعده. يوضح أدوار حلفاء حفتر الإقليميين والأوروبيين، والفرق بين أسلوب كل منهم، كما يشرح موقف طرابلس من هذه الدول، ومن مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة.

كيف تقرأ تحرُّك مصر في الدعوة إلى تشكيل «حكومة وحدة وطنية» في طرابلس بديلة عن «الوفاق الوطني»؟
بعد محاولة (خليفة) حفتر الدخول إلى طرابلس، عُقد اجتماع في العاصمة لتطبيق الاتفاق السياسي الذي نص على أن مجلس النواب يجب أن يطبق ثلاث مواد خاصة به هي 16 و17 و18. تطالب المادة 16 النواب المنتخبين عام 2014 باجتماع من يرغب منهم، وأن يبدؤوا تعديل اللائحة الداخلية، ثم مراجعة القوانين الصادرة سابقاً. أغاظ هذه الأمر السلطات المصرية وسائر من يدعمون حفتر في الداخل والخارج، فحاولوا عقد اجتماع مقابل في طبرق ثم في بنغازي، لكنهم لم يتمكنوا سوى من جمع عدد بسيط من النواب، ربما عشرين أو خمسة وعشرين في أقصى تقدير. عندما فشلوا، حاولوا أن يلبوا دعوات إلى الاجتماع في مدينة غدامس وفي تونس... وأخيراً اجتمعوا في القاهرة، وكان المُعلن أنه اجتماع تشاوري، ثم تسربت إلينا معلومات بأن سفير الإمارات لدى القاهرة (جمعة مبارك الجنيبي) عرض على بعض النواب أن يشكلوا حكومة بديلة عن «الوفاق». للإنصاف، رفض كثير من النواب الأمر جملة وتفصيلاً. ونحن الذين اجتمعنا في العاصمة رفضنا المشاركة في «القاهرة» بأي حال، لأننا على علم مسبق بأنه سيُوظَّف من الجهات الداعية، فضلاً عن أنه مخالف للأعراف البرلمانية، كونه يُعقد في دولة أخرى ومع برلمان آخر، ويمثل إخلالاً بالسيادة الليبية. وقد حاولوا إرهابنا بضربة جوية استهدفت مقر المجلس. نتيجة «القاهرة» بيان فضفاض يدعو إلى وحدة الأرض ومدنية الدولة. رغم أن هذه المبادئ لا خلاف عليها، فإن الاجتماع يمثل اتجاهاً معاكساً، وهو يدعم نظاماً عسكرياً بدعم شخصيات أيدت الهجوم.

هل يسعى «مجلس طبرق» إلى ترسيخ الانقسام؟
لنكن دقيقين: الأزمة الليبية ليست ليبية، بل يحركها أطراف خارجيون يسعون إلى الاستعانة بأطراف ليبيين. هم يجدون في مجلس النواب الوسيلة الأفضل للتدخل. في ليبيا لا توجد لدينا وثيقة دستورية سوى الإعلان الدستوري وتعديلاته، والاتفاق السياسي الذي صار بعد التوقيع عليه في الصخيرات وثيقة دستورية داخلياً وخارجياً. وقد دُعِم هذا الاتفاق وفق قرار مجلس الأمن 2259، ليصبح وثيقة دستورية ملزمة. الآن تحاول بعض الدول الالتفاف عليها بدعم «الوفاق» علناً ودعم حفتر من خلف الستار.

من هي هذه الدول؟
الإمارات على رأس هذه القائمة، ومشروعها إفشال الثورة الليبية بإجهاض الاتفاق السياسي. ثم فرنسا التي نستطيع أن نتعامل معها في بعض الجوانب، باعتبارها تسعى خلف مصالحها بالدرجة الأولى. لكن لا نستطيع أن نتعامل مع أبو ظبي التي من مصلحتها إبقاء البلد في فوضى وفراغ (دستوري) وصولاً إلى نظام عسكري ديكتاتوري يبقيها دولة نفطية متخلفة من دون مؤسسات. كذلك مصر التي تتدخل بحجة الحفاظ على أمنها، مع أن ليبيا لا تشكل أي خطر حقيقي عليها. ليس لنا عداء مع القاهرة لكن النظام الحاكم هناك يسعى إلى إيجاد مبررات واهية للتدخل، وتحقيق أهداف غير عقلانية من سبيل ضم جزء من المنطقة الشرقية في ليبيا إلى مصر، ووضع الأقباط في هذا الجزء، وهذه أمور عبثية لن نسمح بها. التدخل المصري بالأسلحة أو بالخبراء العسكريين مدفوع الثمن بأضعاف من الإمارات والسعودية.

ماذا عن فرنسا؟
أوصلنا رسالة إلى الفرنسيين مفادها أن باريس كان لها دور بارز في دعم الشعب الليبي أثناء انتفاضة 2011، ولن ننسى هذه الوقفة، ولكن ينبغي أن تستمر على هذا النهج. لن يقبل الليبيون دعمها مستبداً وديكتاتورياً يحاول أن يعود بليبيا إلى وضع أسوأ مما كان عليه في عهد (معمر) القذافي. مبررات فرنسا أنها تدعم حفتر لمحاربة الإرهاب غير كافية. كلمة الإرهاب فضفاضة، ومحاربته يجب أن تكون عن طريق الدولة المُعترف بها. وما حدث أخيراً في غريان فضيحة أخلاقية لفرنسا. كان ينبغي للفرنسيين في حال دخولهم بأي قوة أو أسلحة إبلاغ الجسم الشرعي، ولا يمكن أن يبقى متستراً عليه، ثم تُقدَّم المبررات عندما يكتشف. الصواريخ التي وُجدت في غريان إماراتية، وإن لم تكن كلها إماراتية، فالجزء الأكبر منها إماراتي، أو جاء عن طريق أبو ظبي، لكن أرادوا أن يجعلوا باريس في الواجهة لأن لديها حقّ النقض لدى مجلس الأمن ولا يمكن أن يُرفع دعوى ضدها.

ماذا حدث أثناء زيارة الوفد البرلماني إلى فرنسا؟
لم أكن من المشاركين، ولم أتسلم أي تقرير. ما هو متاح من معلومات حول هذه الزيارة أن الوفد وجد ترحيباً في البرلمان الفرنسي لتوضيح ما يحدث في العاصمة، وهناك بعض الأمور الغائبة عنهم. في ليبيا هناك الكثير من التضليل الإعلامي، خاصة تسويق أن قوات حفتر تحارب الإرهاب. هناك تجاوب من فرنسا الآن، والتعامل معها صار أكثر سهولة. باريس تورطت وراهنت على مشروع حفتر، ولكن دائماً في الدول التي لديها برلمانات حرة تغير المعلومات الموثقة موقفها إن وصلتها. ولهذا ستتغير سياسة فرنسا تجاه ليبيا بعد أن أوصلنا إليهم ما يحدث بالأدلة. لكن تأكد لنا أن الأخلاق والقيم في ترتيب متأخر لدى المجتمع الدولي في سلم أولوياته. مثلاً جريمة قصف مركز إيواء المهاجرين كانت بشعة بكل المقاييس، فهو مركز معلوم لدى الجميع: البعثة الأممية وقوات حفتر، لكن أحداً لم يتحرك، علماً بأنه لو حدث للمهاجرين كارثة طبيعية أو حريق أو سيول، ومات فيه ثلاثة أو أربعة، لقام العالم بعد ذلك ولم يقعد، ولاتُّهمت «الوفاق» بأنها مقصرة وتستهين بأرواح المهاجرين!

... وعن دور الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة؟
غسان سلامة أتى إلى ليبيا بوضع مندفع، وكان شخصية معروفة، وهو سياسي مخضرم وله تجربة في الصراعات أهمها، الصراع اللبناني. كلنا تفاءلنا بقدومه في البداية حين كان يتحدث عن رغبته الواضحة في بناء المؤسسات، ولكن كل ذلك استمر إلى مرحلة معينة حتى اتضح دوره السلبي مع بداية أبريل (نيسان) الماضي، عندما شن حفتر الهجوم على طرابلس، أو حتى من قبل ذلك، منذ فبراير (شباط)، حين بات (سلامة) يهاجم أطرافاً بالجملة، ويخلط الأوراق في كلام فضفاض، مثل حديثه عن وجود عشر دول تدعم انتشار السلاح والفوضى من دون تسميتها، رغم أنها واضحة، على الأقل الإمارات والسعودية ومصر. السيد سلامة أيضاً حاول تحريك عملية الاستفتاء على الدستور، والحقيقة أن حفتر هو من طلب تعطيل الاستفتاء.
هناك الكثير من التناقض في مواقف سلامة، ثم أتى الصمت الرهيب بعد الهجوم، ولم ينبس ببنت شفة إزاء العدوان على طرابلس. وقد فعلها حفتر عندما قصف العاصمة (مطار معيتيقة) بوجود الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، فقد ضرب حفتر بكل جهود الأمم المتحدة عرض الحائط، في حين كان مجيء غوتيريش بهدف الإعداد لـ«الملتقى الوطني الجامع» الذي كان من المفترض أن يقام في واحة غدامس.

كان يعوّل على هذا الملتقى ويُرجَع الفضل فيه إلى سلامة، وأنه سيضع القواعد الأولى لإرساء دولة القانون والمؤسسات. ما رأيك؟
لدي تحليل لا معلومة دقيقة. السيد سلامة يدَّعي أنه يريد أن يعقد ملتقى وطنياً جامعاً يتفاهم فيه الليبيون على خريطة طريق تنطلق فيها ليبيا إلى الجنة الدنيوية، لكن الحقيقة عكس ذلك. كان اللقاء خطة مرسومة مسبقاً، وأراد أن يكون الليبيون في الواجهة لأنه يستحيل أن يجتمعوا لأربع وعشرين ساعة أو ثمانٍ وأربعين ساعة، وعددهم بحدود مئة وخمسين، ومعظمهم لأول مرة يلتقون، ثم يراد لهم أن يتفاهموا على خريطة طريق ويضعوا برنامجاً كاملاً للمصالحة... هذا كله من ضرب الخيال؛ التقينا لمدة تفوق ستة عشر شهراً في السابق، في اجتماعات متواصلة، لنصل إلى اتفاق الصخيرات، ومع ذلك انتُقد هذا الاتفاق وعانينا الأمرَّين في تطبيقه رغم الدعم والرضى من شريحة كبيرة، وحضور أشخاص منتخبين من الشعب، يستطيعون أن يقولوا إننا ننوب عنه.
من دعاهم سلامة لحضور «الملتقى الجامع» هم مجهولو البرنامج والرؤية، ولا يحملون أي صفة. أرى أن هذا العبث كان الهدف منه إدخال حفتر إلى العاصمة بطريقة ناعمة ومن دون قتال، وبأن يكون شريكاً في العملية السياسية، على أن ينقلب على الاتفاق في الوقت المناسب. لكن غرور حفتر وإقصاءه للآخر جعلاه لا يرضى بأي شراكة، فأراد أن يثبت أنه لا يحتاج إلى مؤتمر جامع ولا تمهيد ولا مقدمات أو شريك. وقد صرحت في بداية عدوان حفتر بأنه قد يكون «رُبَّ ضارة نافعة»، فحفتر أنقذ ليبيا من المخطط الذي كان سيُرسم في غدامس، وأنقذنا من الموت البطيء للثورة. أراد أن يقضي عليها بضربة واحدة لكن الضربة كانت لجسم لا يزال بقوته («الوفاق»). سلامة أُصيب بذهول، وهذا ما جعله يصمت، وقد التقيته، وكان يعلم أن دخول حفتر لن يكون سهلاً، لأنه عرف خلال المدة التي بقي خلالها في ليبيا حجم القوة الموجودة على الأرض. وهو يعرف حتى عقلية الليبيين وكيف يفكرون، ويقرُّ بأن حفتر إنسان مغرور، وقالها لنا بوضوح: ليس من السهل أن يُسيطر حفتر على طرابلس.
حفتر لم يسمع النصائح، ومما زاد إرباك سلامة الانقسام بين الدول تجاه ليبيا. كنا نتمنى منه أن يكون شجاعاً عندما شعر بأن المشهد قد خرج من يده، فقد كان يستطيع الاعتراف بالعجز. أما أن يستمر في هذا الوضع المترهل، فهو ما نراه غير مقبول.