سبق للبرلمان التونسي أن صدّق، منتصف الشهر الماضي، على تعديلات جدلية في قانون الانتخابات والاستفتاء، استهدفت عدداً من الكيانات والأشخاص، إذ تمنع هذه التعديلات قبول ترشح من تورط في تقديم أموال وعطايا إلى الناخبين، ومن تلقى تمويلات أجنبية، ومن يتبنى خطاباً معادياً للديموقراطية أو يمجّد انتهاكات حقوق الإنسان؛ المعني بهذا كله هو جمعية «عيش تونسي» التي تحولت إلى مشروع سياسي بقيادة سيدة أعمال مقيمة في فرنسا، مع صاحب قناة «نسمة» التلفزيونية، نبيل القروي، وحزبه الجديد «قلب تونس»، و«الحزب الدستوري الحر» ورئيسته عبير موسي. كما أن أحزاب المعارضة الصغيرة أيضاً هدف للتعديلات التي شملت عتبة انتخابية تمنع من يحصل على أقل من 3% من الأصوات، من دخول البرلمان.عشرات النواب طعنوا في دستورية القانون، لكن «الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين» رفضت الطعن، ولم يبقَ سوى خطوة واحدة لتنفيذ التعديلات عملياً، هي ختمها من رئيس الجمهورية، ونشرها في «الجريدة الرسمية». لكن الباجي قائد السبسي رفض ذلك على امتداد الأيام الماضية، ما يعني سقوط التعديلات بتجاوز الآجال الممكنة لتطبيقها بعد فتح باب قبول الترشيحات. ولم يظهر الرئيس حتى الآن ليبرر رفضه التعديلات، وكان آخر نشاط له في الخامس من هذا الشهر، أي بعد وعكته الصحية الحادة. وفي السياق، قال زعيم حزب «التيار الديموقراطي» المعارض، محمد عبو، على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي، إن من الممكن أن قائد السبسي «صار غير قادر على أداء مهامه، أو هو تحت تأثير مقربين منه لهم مصلحة معروفة في رفض القانون، وقد يكونون منعوا وصول كل الوثائق إليه، أو بالأحرى منعوه من ممارسة مهامه»، مطالباً وكيل الجمهورية بـ«التدخل واستجلاء الأمر».
تواجه «النهضة» و«الجبهة الشعبية» صراعات قد يكون لها آثارها الانتخابية


أحد هؤلاء المقربين الذين تحدث عنهم عبو هو المستشار السياسي للرئيس، نور الدين بن تيشة، الذي أدلى بتصريحات إلى وكالة الأنباء الرسمية أمس، قال فيها إن قائد السبسي «يرفض منطق الإقصاء، ويرفض أن يمضي تعديلات قُدّت على المقاس». وبخصوص عدم ظهور الرئيس علناً منذ أكثر من أسبوعين، قال بن تيشة إنه «سيتوجه بخطاب إلى الشعب خلال الأيام القليلة المقبلة، وسيوضح كل النقاط الخاصة بموضوع التعديلات». مهما يكن، إن عدم تطبيق التعديلات في هذه الانتخابات صار شبه محسوم الآن، فالمسارات البديلة تبدو غير ممكنة. ومن الناحية القانونية، يعود القانون، في حال رفض رئيس الجمهورية توقيعه، إلى البرلمان ليصدّق عليه مرة أخرى، وحينئذ لا يمكن للرئيس رفضه مجدداً. لكن يتطلب ذلك وقتاً غير موجود، إذ ستُقبل انطلاقاً من اليوم الترشيحات للانتخابات على أساس القانون القديم غير المعدل، ولا يمكن بعدها قبول الترشيحات على أساس قانون جديد.
بعيداً عن التعديلات، يواجه عددٌ من الأحزاب والتكتلات السياسية المهمة صراعات داخلية قد يكون لها آثار انتخابية كبيرة. وفي سابقة لم تعشها من قبل، تشهد «حركة النهضة» الإسلامية موجة سخط شملت جزءاً معتبراً من القيادات والقواعد الصلبة ضد ممارسات المكتب التنفيذي الذي يرأسه راشد الغنوشي. يرفض الغاضبون التدخلات الفوقية التي طرأت على تشكيل القوائم، إذ غيّر المكتب التنفيذي عدداً من رؤساء القوائم التي أفرزتها انتخابات داخلية، وعوّض قياديين تاريخيين بمستقلين أو موالين للقيادة على رأسها. وأقدمت «النهضة» أيضاً على خطوة غير مسبوقة هي ترشيح الغنوشي نفسه (78 عاماً) على رأس إحدى القوائم، في خطوة تمهيدية تهدف على الأرجح إلى ترشيحه لرئاسة البرلمان المقبل.
في المقابل، تواجه «الجبهة الشعبية»، التكتل اليساري الأكبر في البلاد، صراعات أكثر عمقاً. فقبل نحو شهرين، انقسمت الكتلة النيابية للجبهة بعدما انشق عنها أغلب النواب وأسسوا كتلة جديدة بالاسم نفسه. وسريعاً انقسم مجلس الأمناء، هيكل التسيير الأعلى داخل «الجبهة»، وأعلن كلا الطرفين أنه الممثل الشرعي للمشروع، إذ سيتقدم الشقان في هذه الانتخابات بقوائم منفصلة، مع نية كل منهما استثمار اسم «الجبهة الشعبية»، ما سيصعد الخلاف القانوني بينهما ويؤثر في نتائج اليسار الانتخابية وما راكمه من رصيد شعبي وسياسي على امتداد الأعوام الماضية.