القاهرة | عرف المصريون المهندس كامل الوزير، وهو وزير النقل الحالي ورئيس سابق لـ«الهيئة الهندسية للقوات المسلحة»، منذ ولاية عبد الفتاح السيسي الأولى، فقد كان وجوده في المناسبات التي يحضرها الرئيس مرتبطاً بـ«التدخل في العمل الحكومي لتسريع الإنجاز». كان السيسي يظهر وهو يأمر، وكامل ينفذ فقط. يناقشه الأخير نادراً في المدة المطلوبة للتنفيذ، ويبرر أحياناً التأخير أو معوقات استكمال الأعمال، وهو ما حدث في مشروعات عدة نفذتها الهيئة تحت رئاسته وإشرافه المباشر، منها مشروع تفريعة قناة السويس الجديد، وأنفاق القناة التي افتُتح منها النفق الأول بداية الشهر الجاري.لكنه منذ اختياره وزيراً للنقل، على الهواء مباشرة بأمر من السيسي (بداية آذار/ مارس الماضي)، يعمل داخل «النقل» بسياسة مختلفة عن جميع من سبقوه. يحاول أن يترجم نجاحاً في تحقيق مزيد من الإيرادات والعوائد إلى «هيئة سكة الحديد» التي تُعَدّ «مقبرة الوزراء»، فغالبية من تولوا هذه الحقيبة خرجوا منها مستقيلين أو مقالين بسبب حوادث على سكك تحتاج إلى مليارات للتطوير، لا تتوافر في خزانة الدولة بعد. مع ذلك، وعد كامل، السيسي، باختزال مدة تطوير السكك وإنجاز المشروع بالكامل بحلول 30 حزيران/ يونيو 2020، بعدما كان مقرّراً الانتهاء منه في التاريخ نفسه، لكن عام 2022. وعدٌ لا يستهدف توفير الأموال، بقدر ما هو محاولة لتعزيز القرارات المنفردة وتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة.
تنقل «سكة حديد مصر» نحو 400 مليون راكب سنوياً، وقد حققت مبيعات تذاكر وصلت إلى أكثر من مليارَي جنيه خلال العام الماضي، في وقت تمتد فيه الخطوط الحديدية على أكثر من ثلاثة آلاف كلم في أنحاء الجمهورية، إذ تغطي الدلتا بالكامل، بالإضافة إلى مدن القناة ومدن ساحل المتوسط. وكان يفترض تنفيذ نفق للسكة أسفل قناة السويس، لكن ارتفاع كلفة الإنشاء حال دون إعادة القطارات إلى سيناء. لذلك، يتعامل الوزير مع منظومة السكك على أنها مصدر يدرّ ملايين الجنيهات المهدرة التي لم تكن تُحصَّل لأسباب مرتبطة بتراجع العمالة عن دورها، لكنه أيضاً لم يحاول بدء تحسين الخدمة من الفور، بل ركز على الإيرادات أكثر من أي وقت مضى، ما انعكس إيجابياً على العائد من تذاكر القطارات بنسبة 25% على الأقل، بحسب إحصاءات غير رسمية سرّبتها الوزارة إلى الإعلام أخيراً لتأكيد نجاح سياسات رجل العسكر.
ركز الوزير على التدقيق والزيادة في الإيرادات دون تحسين السكك


جراء ذلك، لا يتوقف كامل عن الجولات المفاجئة على العاملين، أو منع المكافآت والحوافز والامتيازات عن المقصرين. صحيح أن غالبية جولاته التي تبدو مفاجئة في الإعلام تكون معروفة مسبقاً، لكن الرجل القادم من خلفية عسكرية يسعى إلى تحويل مرفق السكة ليكون استثمارياً حتى من أموال الفقراء الذين أجبرهم على تغيير بعض عاداتهم البسيطة في الاستقبال والوداع على محطة القطار، بعدما صار مجرد دخول المحطة من دون السفر بتذكرة يحتسب كعملية دخول. كذلك يفعّل أنواع الرسوم الممكنة، بداية من الدخول، وصولاً إلى مضاعفة غرامات عدم قطع التذكرة من المحطة، حيث وصلت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، في خطوة يقول إن الهدف منها تحصيل رسوم الدولة المهدرة. لكن ذلك يتنافى مع الواقع الذي يواجه المسافرين، ولا سيما في اكتظاظ شباك التذاكر، ما يؤدي إلى صعوبة الحجز على عدد من القطارات بسبب نفاد التذاكر.
في المقابل، ثمة تحسن ملحوظ في مرفق السكك، وهو مرتبط بتحركات الوزير وإجباره الموظفين على العمل، بداية من كثافة وجود المحصّلين في القطارات لمراجعة التذاكر، وهو ما لم يكن يحدث سابقاً، وصولاً إلى تحقيق انضباط كبير في المواعيد، فلم تعد القطارات تتأخر أكثر من ساعة في أسوأ الأحوال عن موعدها، مع إعلان مسبق في شأن التأخيرات المحتملة وأسبابها. لكن هذا لا يخفي طريقة تعامل الرجل مع مساعديه ونوابه المدنيين القاسية، ولا سيما بعدما قلّص مكافآتهم وأجبرهم على العمل المكثف مع سحب امتيازات كثيرة كانت في حوزتهم، في مقدمتها وجود أكثر من سيارة وأكثر من سائق لخدمتهم، في إطار خطته لضبط النفقات في الهيئة، لتبدأ من رئيس الهيئة ونواب الوزير، وصولاً إلى الموظفين الأصغر، وهو ما دفع بعضهم إلى الاستقالة، وفي مقدمتهم نائب الوزير عمرو شعث، وآخرين وجدوا صعوبة في طريقة التفاهم معه.
من جهة أخرى، يُدخل كامل العسكريين إلى الوزارة بثوب مدني، علماً أن معاونيه ومساعديه الذين يوجدون في مواقع مختلفة هم عسكريون، وليس لهم أي خلفية عن العمل في السكة، وهم يحاولون العمل مع الموظفين الموجودين لتحقيق ما يرغبون فيه ضمن مخطط هدفه الأساسي تحويل الهيئة الخدمية بالأساس إلى هيئة مربحة في أقرب وقت، وقادرة على تغطية نفقاتها كلياً، بل إدخال عائد إلى الخزينة، كما تفيد مصادر. تقول هذه المصادر أيضاً إن الوزير طلب تقارير تفصيلية عن الأصول غير المستغلة للسكك، سواء كانت أراضي أو مركبات، وهي تُقدر بأكثر من 190 مليون متر متضمنة مساحات شاسعة للورش غير مستغلة. هذا السلوك ظهر أيضاً في عملية بيعٍ للخردة في مزاد علني، فاقت بنحو 10 أضعاف المزايدات المعتادة التي تعقدها الهيئة، كما يجري العمل على خطة لتقييم الشركات التابعة للسكك الحديدية ووضع العمالة فيها، فضلاً عن مراجعة جدوى الامتيازات التي تحصل عليها بعض الفئات من الركاب مع إعداد نظام جديد لتسعير التذاكر من أجل بدء العمل به قريباً.
وتستدرك المصادر بأنّ الوزير لا يستهدف زيادة واحدة في أسعار التذاكر، بل زيادات تدريجية، لكن ضمن هدف تحميل الراكب التكلفة بالكامل، سواء كان في القطارات المميزة والعادية أو المكيفة، مع التوسع في استخدام الأخيرة لتكون قطارات «VIP» التي تزيد فيها التذكرة إلى الضعف، من أجل تحسين الخدمة وتوفير أموال للتعاقد على جرّارات جديدة. كذلك طُلب من الإدارة القانونية في الهيئة سرعة التحرك في ملف المستحقات المالية لدى الغير وتحصيلها أو تسويتها، بما في ذلك مع شركات حكومية وغير حكومية، علماً بأنها مستحقات بالملايين، على أن تستثمر لتسوية ديون السكة للهيئات الأخرى. وتتضمن خطة زيادة الموارد زيادة حركة قطارات البضائع بصفتها مصدراً مهماً لتحقيق الأرباح، خاصة أن السكك تربط غالبية المدن بعضها ببعض، وهنا طلب كامل تصوراً عن زيادة حركة النقل ومدى جاهزية السكة لتكون قطارات البضائع أربعة أضعاف ما هي عليه الآن، في غضون عامين فقط.