صار واضحاً في السنتين الأخيرتين أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حجّمت الدور الأردني في المنطقة، لتتراجع المملكة عن ترتيبها ضمن قائمة «حلفاء واشنطن». فعلى رغم استمرار تدفق المساعدات التي أقرّها الكونغرس لعمّان، إلا أن الأخيرة تبدو مغيبة عمّا يجري في أروقة البيت الأبيض، في انتظار الإعلان الرسمي عن بنود الخطة الأميركية لـ«السلام» المُسمَّاة «صفقة القرن». وخلال المدة الأخيرة، وقّع الأردن مع «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (USAID) ثلاث اتفاقات لتحديد كيفية إنفاق الوكالة ما قيمته 329 مليون دولار كمساعدات تنموية لعمّان. وتأتي هذه المساعدات ضمن حزمة الدعم الأميركي للمملكة لخمسة أعوام، بواقع 1.3 مليار دولار سنوياً. واللافت في الاجتماع بين وزيرة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية ماري قعوار، ومدير بعثة «الوكالة الأميركية» جيم بارنهارت، حضور كارين ساساهار بصفتها قائمة بأعمال السفارة الأميركية لدى عمّان.هكذا، بهدوء تام اختفى عن المشهد القائم بأعمال السفارة السابق، بول مالك، الذي لم يمضِ على تعيينه أشهر، بعدما كان قنصلاً في دبي، لتحلّ ساساهار مكانه في آذار/ مارس الماضي. ووفق موقع السفارة في الأردن، شغلت ساساهار قبل قدومها منصب القنصل العام في القدس، ما بين آب/ أغسطس 2018 وآذار/ مارس 2019. وهي أيضاً عملت سابقاً مُقيّماً في «هيئة فحص الكفاءة الوظيفية» التابعة للخارجية الأميركية، ونائب السفير الأميركي في اليمن، ومستشار السياسة الخارجية لقائد مركز قيادة العمليات الخاصة في قاعدة «ماك دِل» للقوات الجوية في تامبا بفلوريدا. وساساهارا غادرت موقعها قنصلاً بعدما دُمجت القنصلية العامة في القدس مع السفارة (تحولت الأولى إلى «وحدة الشؤون الفلسطينية») إثر قرار ترامب نقلها من تل أبيب. هذه التنقلات في السفارة الأميركية تسلط الضوء على خلوّ مقعد السفير لدى عمّان منذ أكثر من عامين، بعد مغادرة السفيرة «المُشاكسة» أليس ويلز منصبها في 2017.
الجدول الأميركي في الأردن قد يبدو عادياً مع استمرار تدفق المساعدات كما هو مخطط، وكذلك التدريبات العسكرية التي تعلنها السفارة، فيما تكتفي عمّان بنشر أخبار الزيارات واللقاءات الرسمية مع الملك ووزير الخارجية ورئيس هيئة الأركان المشتركة. لكن ما هو مستغرب عدم انطلاق «مناورات الأسد المتأهب» 2019، التي كان قد أعلن عنها في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي من دون أن يُحدَّد موعد لها، علماً بأن الموسم الثامن منها بدأ في نيسان/ أبريل 2018. هذا التأخير يفتح الباب أمام تساؤلات عن سببه، وهل هو مرتبط بحلول رمضان أو أن الأميركيين لم يعودوا مهتمين باستمرار هذا النوع من المناورات مرحليا، مع الانشغال بالمواجهة «المفترضة» مع إيران وتمركز النشاط في العراق.
وبينما تتصاعد حمّى الخلاف في واشنطن بين الجمهوريين والديموقراطيين في شأن قضايا عديدة، يظلّ الأردن على هامش هذا الخلاف، إذ لا يزال يحتفظ بعلاقات جيدة مع الطرفين، الأمر الذي كان واضحاً في الزيارة الأخيرة للملك عبد الله الثاني لواشنطن قبل شهرين، حيث عقد لقاءات مع أعضاء في مجلسَي الشيوخ والنواب، لكنه للمرة الثانية خلال وقت قصير لم يلتقِ الرئيس الأميركي الذي يبدو أنه يكتفي بأن يهاتف ويستقبل الممولين، وليس طالبي المساعدات!