كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن تقدّم جوهري في مسار بلورة «مذكرة تفاهم» بين الجانبين الروسي والإسرائيلي، يبدو أنها تسمح لإسرائيل بمواصلة هجماتها في سوريا ضمن الضوابط الروسية، وتَضْمن تجنّب الاحتكاك بين الجيشين الإسرائيلي والروسي. واعتبرت الصحيفة امتناع موسكو عن إبداء ردود فعل علنية على الهجومين الإسرائيليين الأخيرين في الساحة السورية، مؤشراً إلى هذا التقدم، بعدما كانت خطوة تسليم رفات الجندي الإسرائيلي المقتول في معركة السلطان يعقوب قد أنبأت به. ولفتت إلى أن الهجومين الأخيرين (قبل يومين وقبل نحو شهر) ما كانا ليمرّا من دون ردّ روسي علني، لولا أن إسرائيل لم توافق على طلب روسيا التوقيع على مذكرة صاغتها قيادتا الجيشين الإسرائيلي والروسي، والتي تتناول العمل قدر الإمكان على منع الاحتكاك بينهما في سوريا.ورأت «يديعوت أحرونوت» أن «من الواضح أن منع الاحتكاك بين الجيشين الإسرائيلي والروسي لم يتبلور كمذكرة مُلزمة ومُوقّعة بين الطرفين، رغم وجود اتفاق مكتوب ومُوقّع عليه بهدف منع الاحتكاك في سوريا بين الجيش الروسي ونظيريه التركي والأميركي العاملين هناك». وأوضحت أن المسألة تتعلق بوثيقة موقّعة من قِبَل قادة الجيوش، تُحدّد بدقة خطوط الإبلاغ، وأوقات الإنذار، وقنوات الاتصال، وتهدف إلى منع «سوء الفهم» بين الأطراف العاملين في المناطق نفسها.
وفي المقابل، أشارت الصحيفة إلى أن «المطلب الروسي من إسرائيل التوقيع على مذكرة ثنائية، لم يُطرح إلى حين حادثة إسقاط الطائرة الروسية قرب اللاذقية في أيلول من العام 2018»، لافتة إلى أنه «في نهاية العام 2015، عندما زار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ورئيس الأركان غادي آيزنكوت، موسكو، توصّل الأخير إلى تفاهمات مبدئية مع نظيره الروسي حول مسألة التنسيق بين الجيشين. وفي أعقاب هذه التفاهمات، تم إنشاء جهاز تنسيق مع بروتوكول عمل، لكنه غير موقّع». وأضافت أنه «تباعاً، ادّعى الروس عدة مرات أن إسرائيل لا تلتزم بهذه التفاهمات، لكن الأمور لم تصل إلى حدّ مطالبة روسية بالتوقيع على الوثيقة». وبقي هذا الأمر قائماً إلى شهر أيلول، موعد سقوط الطائرة الروسية، حيث «ادّعى الروس علناً أن إسرائيل تكذب، وطرحوا مطلب التوقيع على الاتفاق الذي يحدد بشكل دقيق أوقات الإنذار التي سيحصلون عليها قبل أي عملية إسرائيلية ومكانها المفترض». وأكدت الصحيفة أن إسرائيل «حاولت التهرّب من مطلب التوقيع على اتفاق مكتوب لأنه يمكن أن يؤدي إلى ضرر عملياتي».
ستحتاج إسرائيل إلى إعادة النظر في عمليات «المعركة ما بين الحروب»


لكن المستجد الذي عَكس حصول تقدّم في هذا الشأن بعد زيارة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى موسكو في شهر شباط/ فبراير الماضي، هو ما ذكرته وكالة الأنباء الروسية (ريا نوفوستي)، نقلاً عن مصدر ديبلوماسي رفيع، من أن الموضوع المركزي في اللقاء بين نتنياهو وبوتين كان المطلب الروسي بطرح مذكرة «منع الاحتكاك». وقالت الصحيفة الإسرائيلية إنه «في زيارة نتنياهو منذ أكثر من شهر، حصل تقدم جوهري في شأن موافقة إسرائيلية على التوقيع على هذه الوثيقة». وقدّرت أيضاً أنه «في مقابل هذه الموافقة، فاجأ الروس حلفاءهم السوريين، ونقلوا إلى إسرائيل رفات الجندي زخاريا باومل. فالروس لا يجرون مراسم بحجم كهذا حتى لمفقودي حروبهم، لذا من الممكن الإشارة إلى أنه لا توجد عندهم هدايا مجانية».
وفي السياق نفسه، رأى المعلق في الصحيفة عينها، يوآف ليمور، أن عدم حصول رد فعل روسي يشير إلى أن روسيا سلّمت حتى الآن بهذه العمليات، ما دامت الهجمات لا تعرّض قواتها الموجودة في سوريا للخطر. وأضاف ليمور أن سلاح الجو الإسرائيلي يحرص قدر الإمكان على الامتناع عن الاحتكاك ببطاريات الدفاع الجوي السورية، من أجل ألا يتورط مرة أخرى في أحداث من شأنها أن تجرّ إلى تصادم مع روسيا. ومع أنه اعتبر أيضاً أن الهجوم الإسرائيلي الأخير يشير إلى أن السياسة العملانية الإسرائيلية بعد الانتخابات ما زالت هي نفسها، ولا يتوقع لها أن تتغير حتى الآن، إلا أنه أكد أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستحتاج إلى إعادة النظر في العمليات التي تُنفذ في إطار «المعركة ما بين الحروب»، على خلفية التغيرات التي تشهدها سوريا مع انتهاء الحرب فيها.