بغداد | ملف جدلي جديد يدخل بازار النقاشات العراقية الحامية. النشيد الوطني آخر صيحات الخلافات، التي سرعان ما اتخذت طابعاً سياسياً. منذ سقوط النظام السابق في نيسان/ أبريل 2003، لم تَثبت بغداد على «سلام وطني» واحد؛ إذ دائماً ما ارتبط «السلام» بالأنظمة الحاكمة: الملكية أو الجمهورية، ليأتي «عراق ما بعد (رئيس النظام السابق) صدام حسين» ويعتمد بعجالة قصيدة «موطني» (كلمات الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، وألحان اللبناني محمد فليفل) نشيداً وطنياً، بدلاً من قصيدة «وطنٌ مدّ على الأفق جناحا» (كلمات الشاعر العراقي شفيق الكمالي، وألحان اللبناني وليد غلمية).أخيراً، قدمت كتلة «سائرون»، المدعومة من «التيار الصدري» وزعيمه مقتدى الصدر، مشروع قانون (وقّعه نحو 80 نائباً) يدعو إلى اعتماد أغنية «سلام عليك على رافدَيْك» (كلمات الشاعر العراقي أسعد الغريري، وألحان الفنان كاظم الساهر)، ما أثار حفيظة «الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق»، الذي طالب من جهته باعتماد قصيدة «سلامٌ على هضبات العراق» (كلمات الشاعر الكبير الراحل محمد مهدي الجواهري). وما بين المقترحين، اشتعلت حرب فنية ـــ سياسية بأدوات متعددة. بعضهم صوّب على كون الغريري قد نَظَم سابقاً قصائد في مدح صدام، فـ«كيف يمكن اختيار النشيد الوطني من كلمات رجل مدح النظام السابق؟»، فيما ركّز آخرون على تفرّد شعر الجواهري، المعارض المهاجر، والمتميز بـ«الارتباط الوطني، والقومي، والإنساني».
وتأتي حماسة «سائرون» لتبني قصيدة «سلام عليك» ترجمةً لـ«استحسانها» من قِبَل الصدر. إذ أعلن الفنان المقرّب من الأخير، سنان العزاوي، قبل أشهر، أن الصدر استحسن في أحد اللقاءات تلك القصيدة، بوصفها «صالحة لأن تكون نشيداً وطنياً». لكن المتحدث باسم «الأدباء»، عمر السراي، يرى أن «أهل الاختصاص لا بد أن يكون لهم رأي في خطوة مماثلة»، فـ«المشرعون لا يعرفون كل شي». ويضيف، في حديثه إلى «الأخبار»، أن قصيدة الجواهري قُدّمت كمشروع قانون إلى البرلمان منذ عام 2012، وقد قُرئ، «إلا أن الاعتراضات السياسية والخلافات بين الكتل حالت دون ذلك». ويقول إن «في قصيدة الغريري أخطاءً لغوية ونحوية، فضلاً عن أخطاء أخرى في اللحن... وقد شخّص المحترفون ذلك»، معتبراً أنه «لا يمكن القبول باعتمادها نشيداً وطنياً بوجود نصوص شعرية قيّمة، يمكن اعتمادها في هذا الإطار».
ولم تأتِ الاعتراضات على مقترح «سائرون» من جانب الأدباء فقط، بل أيضاً من جانب كتل سياسية، على رأسها تلك التي تمثل الأكراد والتركمان، والداعية إلى إضافة كلمات أو مقاطع تعبّر عن هاتين القوميتين، في تكرار للاعتراضات التي عرقلت مشروع قانون عام 2012، عندما أراد «الأكراد» تضمين النشيد ما يشير إلى قوميّتهم أو إلى «إقليم كردستان». ويرى النائب عن «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، محمد شاكر، أن «الإشارة إلى المكونات العراقية في النشيد الوطني مسألة مثبّتة في الدستور العراقي ولا يمكن تجاوزها، وفي حال كون الشاعر حيّاً يمكن تعديل النص بما يضمن مواءمته القوانين»، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار» أن «للأكراد أكثر من 60 مقعداً، ولن يصوّتوا على أيّ نشيد يُطرح دون أن يتضمن الإشارة إلينا، أو إلى لغتنا وهويتنا، وهي مسألة محسومة بالنسبة إلينا».
«ملاحظة» تلقفها الغريري سريعاً، فسارع إلى إضافة مقطعين إلى قصيدته، يشير الأول إلى الأكراد، والآخر إلى المسيحيين، وهو ما لاقى ترحيباً لدى الكتل الكردية النيابية، التي أعلنت أنها ستصوت على أي نشيد وطني يتضمن إشارة واضحة إلى قوميتها.