الخليل | عجز العالم عن فعل شيء أمام قتل 29 فلسطينياً كانوا يصلون في الحرم الإبراهيمي على يد المستوطن باروخ غولدشتاين عام 1994، فيما قتل الجيش 31 آخرين خلال التشييع وأصاب أكثر من مئة. اقتصر رد فعل المجتمع الدولي آنذاك على إرسال بعثة إلى الخليل لمراقبة الوضع في البلدة القديمة. لكن بعد ربع قرن من وجودها، قرّر رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طردها أخيراً، مع أنها لم تفعل شيئاً.البعثة كانت مكوّنة من خمسين مراقباً من خمس دول هي: السويد وتركيا وإيطاليا والنرويج وسويسرا، ومهمتها «توثيق انتهاكات الاحتلال» في المدينة التي تشهد انتشاراً كبيراً للمستوطنين.
لم تتوقف اعتداءات المستوطنين والجنود يوماً واحداً رغم وجود المراقبين (أ ف ب )

لكن اعتداءات المستوطنين والجنود لم تتوقف يوماً واحداً على رغم وجود المراقبين.
يتهم الاحتلال والمستوطنون، البعثة الدولية المسماة اختصاراً «التيف»، بأنها تتشكل من دول صديقة للفلسطينيين، وأنها منحازة إلى الفلسطينيين، وتعرقل عمل جنود الاحتلال في المدينة. وبالطبع، نفت «التيف» هذه «التهمة» عنها. أما النرويج، التي وُقعت فيها اتفاقية «أوسلو»، فعبّرت عن رفضها القرار الإسرائيلي لأنه «أحادي الجانب ويشكل انتهاكاً لأوسلو»، فيما دانته الدول الأربع الأخرى الراعية للبعثة. من جانبها، أجهضت الولايات المتحدة مشروعاً في مجلس الأمن لإدانة موقف العدو من البعثة، معتبرة أنه من «حق الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني عدم تمديد مهام البعثة المحددة بستة أشهر قابلة للتجديد». وانتهى اجتماع مجلس الأمن الخاص بالقضية بقرار وحيد بناءً على اقتراح بريطاني، هو الطلب من رئيس المجلس الاتصال بالطرفين لإبلاغهما بمضمون الاجتماع، وتلقي وجهة نظرهما. كما طرحت لندن مجدداً فكرة إرسال وفد من مجلس الأمن إلى الشرق الأوسط، لكن واشنطن رفضت ذلك متذرعة بأنه «من الصعب أن يُنفّذ مشروع من هذا النوع في المستقبل القريب».
يقول الخبير في شؤون الاستيطان في الخليل، عبد الهادي حنتش، إن «الاحتلال اتخذ القرار الذي يريده من دون النظر إلى القرارات الدولية»، مضيفاً أن «الضغط الدولي لن يجبر الاحتلال على التراجع». وثمة تخوف لدى أهالي المدينة من تصاعد الاعتداءات، وكذلك توسع البناء الاستيطاني. فالمستوطنون يرون القدس «عاصمة لإسرائيل»، أما الخليل فهي «عاصمة لليهود». يقول عضو «لجنة إعمار الخليل»، عماد حمدان: «نترقب الأسوأ، لأنه حتى في ظلّ عمل البعثة كانت هناك اعتداءات، لكن المستوطنين كانوا يترددون قليلاً أمام المراقب الدولي». يضيف حمدان: «البعثة كانت تراقب ما يجري وتسمع من الجانبين وتنقل الصورة إلى دولها من دون أن تقحم رأيها»، مضيفاً: «يجب سحب السلاح من المستوطنين والسماح للمواطنين بالوصول إلى كل الأماكن في المدينة، خصوصاً تل الرميدة وشارع الشهداء، ووقف الاستيطان»، مشيراً إلى أن الخليل بحاجة إلى «حماية دولية لا رقابة فقط». كذلك، يرى حنتش أن المستوطنين لا يهمهم وجود البعثة، مضيفاً أن الاحتلال يسعى حالياً إلى تعزيز مكانته في البلدة القديمة بعد إعطاء مستوطنة «كريات أربعة» وصف مدينة، كما يريد بنيامين نتنياهو «تعزيز سمعة حزب الليكود بين المستوطنين على أنه الحزب الأكثر خدمة لمشروعهم».
في المقابل، لم يرضَ الفلسطينيون في البلدة القديمة بأن يظلّ المواطنون من دون حماية، فبادرت تجمعات شبابية وعائلية إلى القيام بدور البعثة الدولية بعد خروجها، حيث انتشر شبان على الحواجز والطرقات في المدينة لتوثيق انتهاكات الاحتلال، وحماية طلبة المدارس والمارة. كما شكّلوا لجان حراسة ليلية للتصدي للمستوطنين وتنبيه الأهالي لأي اعتداء. يقول عضو إحدى هذه التجمعات مراد عمرو : «نحن معتادون اعتداءات الاحتلال منذ عام 2007 ونعرف كيف نواجه، نحتاج دعماً بشرياً بانضمام الشباب إلينا لإسناد المبادرة وتعزيزها». ويبيّن عمرو أن ثمة شخصيات سياسية فلسطينية تتابع عمل التجمع وتدعمه، مضيفاً: «أننا على تواصل دائم مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لنقل صورة الأحداث».