بعد قرابة 3 أسابيع على اختتام مشاورات السويد، وما أعقبها من إعلان ثلاثة اتفاقات تخصّ كلاً من مدينتَي تعز والحديدة وملف الأسرى، يعود المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، إلى المنطقة، في وقت يلفّ فيه الغموض مصير تلك الاتفاقات. وهو غموض تضاعف أمس مع عدم تصاعد الدخان الأبيض من اجتماعات رئيس «لجنة تنسيق إعادة الانتشار» في الحديدة، باتريك كاميرت، بممثّلي طرفَي النزاع.وأعلن الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، مساء أمس، أن غريفيث سيصل غداً السبت إلى العاصمة صنعاء، حيث سيجري محادثات مع كاميرت ومسؤولين من «أنصار الله»، قبل أن يتوجّه إلى الرياض للقاء الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، ومسؤولين آخرين. وبحسب الجدول الزمني المفترض لمشاورات السلام، فإن زيارة غريفيث هذه يفترض أن تمهّد لجولة جديدة ستنعقد أواخر الشهر الجاري في الكويت، من أجل التباحث في الإطار السياسي والأمني للتسوية الشاملة. لكن المشارفة على استنفاد الوقت الذي كان مُحدّداً لتنفيذ اتفاق الحديدة من دون إنجاز معظم خطواته، وحالة الإبهام التي تحيط اتفاقيتي تعز والأسرى، تطرحان علامات استفهام كثيرة حول إمكانية الانتقال إلى المرحلة التالية وكيفية تحقيق ذلك، إلا إذا كان المنتظر تكرّر سيناريو مشاورات كانون الأول/ ديسمبر، حيث استمرّ الأخذ والردّ أياماً من دون نتيجة، قبل أن يتمّ إعلان الاتفاقات في اللحظات الأخيرة.
هذا السيناريو لا يبدو مستبعداً في ظلّ تمسّك الأمم المتحدة بنوع من التفاؤل إزاء مصير اتفاق الحديدة، على رغم كل الاتهامات المتبادلة والتصريحات التشاؤمية الصادرة من الطرفين. إذ أكد حق، في تصريحاته أمس، أن «وقف الأعمال العدائية في الحديدة لا يزال صامداً»، وذلك بعد أيام قليلة من إرسال ممثلي السعودية والإمارات وحكومة هادي في المنظمة الدولية خطاباً إلى مجلس الأمن الدولي، يشكون فيه «الخروقات المستمرة من قِبَل الميليشيات». وهي رسالة قد لا تكون خارجة عن إطار الضغوط التي تحاول الجبهة الموالية لـ«التحالف» ممارستها، من أجل الدفع نحو عملية تنفيذية لمصلحتها تغاير ما تمّ التوصل إليه نظرياً.
مع ذلك، فإن المؤشرات الصادرة من الحديدة حتى مساء أمس ظلّت تفيد بإصرار الطرف الموالي للرياض على موقفه. إذ تحدث مسؤول عسكري من قوات هادي عن عدم إحراز تقدم ملموس في الاجتماعات بين كاميرت وممثلي الجانبين، عازياً ذلك إلى «إصرار الحوثيين على رفض الانسحاب من الحديدة وموانئها». وفي المقابل، أشار الناطق باسم الجيش واللجان الشعبية، يحيى سريع، إلى أنه «وعلى رغم أن قواتنا نفذت الاتفاق وبدأت إعادة الانتشار، إلا أن العدوان ومرتزقته يحاولون التملص والالتفاف على نص بنود اتفاق السويد»، مُحمّلاً إياهم «مسؤولية الاستمرار في الخروقات، وعرقلة عمل الفريق الأممي». وكان رئيس «اللجنة الثورية العليا»، التابعة لـ«أنصار الله»، محمد علي الحوثي، اتهم «التحالف» بـ«العمل على إعاقة تنفيذ اتفاق الحديدة»، لافتاً إلى أن «دول العدوان أرسلت لجان تفاوض، ولم ترسل لجاناً لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مشاورات استوكهولم».
وفي انتظار تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود مع زيارة غريفيث، يبدو أن جهود كاميرت، الذي عقد أمس اجتماعاً ثانياً بضباط الارتباط المُكلّفين التنسيق بين «لجنة إعادة الانتشار» وبين الوحدات المنتشرة على الأرض (قبل أن يجتمع مساءً بأعضاء اللجنة المذكورة)، لم تفلح إلى الآن في تحقيق التفاهم المطلوب، في وقت يضيف فيه قيام الميليشيات المدعومة إماراتياً باستقدام تعزيزات عسكرية إلى مديرية الخوخة جنوب الخط الساحلي، عنصر تعقيد جديداً إلى المشهد، المتوتر أصلاً.