القاهرة | يبدو أن مشاريع الإسكان التي تُنفّذ في العاصمة الإدارية الجديدة لم تعد مصدر جذب للشركات العربية والأجنبية في مفاوضاتها للاستثمار العقاري في مصر، ولا يعود ذلك إلى صعوبة بيع الوحدات السكانية وغياب السداد الفوري عن جميع الوحدات حصراً، بل يمتد إلى صعوبات في التسويق والتعاقد حتى مع إطالة مدة السداد لتصل إلى عشر سنوات. فبخلاف الجزء الذي تنفذه الحكومة (ممثلة في وزارة الإسكان و«الهيئة الهندسية للقوات المسلحة»)، لا تزال استثمارات البناء في العاصمة الجديدة ضعيفة للغاية. وعلى رغم وجود عدد من المشروعات التي تساهم فيها شركات خاصة تعهدت ببدء التسليم من 2021، فإن الجزء الأكبر من نصيب هذه الأعمال هي لمصلحة «مجموعة هشام طلعت مصطفى» التي اشترت بـ«الأمر المباشر» (من دون مناقصة) مساحة كبيرة لتطويرها. قبل أشهر، تعثرت شركة خاصة أخرى بعدما أخفقت في تسويق وحداتها المقرر أن تبنيها، وتنازلت عن الأرض كلياً مع خسارة مالية كبيرة حالياً فضلاً عن خسائر كبرى لاحقاً، خصوصاً أن اشتراطات عدة في عمليات البناء داخل العاصمة الإدارية (مثل المساحات الخضراء والارتفاعات في بعض المناطق) تزيد تكلفة تطوير المتر الواحد عن المتوقع. والآن دفع ركود المبيعات عدداً من الشركات إلى زيادة مدد السداد عبر أنظمة التقسيط لتصل إلى 10 و15 عاماً، وهي أزمنة طويلة مقارنة بأنظمة سداد بقية الوحدات التي تُنشأ في المدن الجديدة ولا تزيد على 7 سنوات غالباً.
هذا الركود يتزامن مع تأخر الانتهاء من تنفيذ الطرق الداخلية والخارجية التي لم تحسم كثير من تفاصيلها، ومنها «مشروع المونرول» الرابط بين العاصمة الجديدة والقاهرة. ويرى خبراء أن مشكلة التسويق مرتبطة بالعقلية العسكرية التي يدار بها المشروع، فالعاصمة تمتلك ملايين من الأمتار ضمن مخطط عملية التنمية العمرانية، لكن «شركة العاصمة الإدارية» تفضل إرجاء طرحها لتنفيذ مشروعات فيها حتى الانتهاء من ملامح المشروع، خصوصاً أنه من المقرر نقل جميع الوزارات إليها العام المقبل، بجانب الانتهاء من كاتدرائية ميلاد المسيح ومسجد الفتاح العليم وافتتاحهما رسمياً خلال أيام بعدما استغرق العمل فيهما نحو عامين فقط.
لم تتم بعدُ إنشاءات الطرق الداخلية والأخرى الموصلّة بالقاهرة


من جهة أخرى، على رغم إعلان «شركة العاصمة»، التي يترأسها اللواء أحمد زكي بدر، توقف المفاوضات مع شركة «إعمار» الإماراتية حول بناء مشروع جديد للأخيرة على مساحة 1500 فدان، فإن «إعمار» تحاول ممارسة ضغوط عبر مسؤولين رسميين لاستئناف التفاوض والحصول على سعر أقل للمتر من السعر المحدد ما بين 3500 و4000 جنيه، وهو رقم ترى الشركة الثانية أنه مبالغ فيه على رغم أن بقية الشركات حصلت على الأرض بهذه الأسعار (100 دولار = 1792 جنيهاً). وسبق للمفاوضات بين الحكومة و«إعمار» أن باءت بالفشل، علماً أنه كان يفترض إسناد مشروع العاصمة بالكامل إلى الشركة الإماراتية، وكذلك مشروع الأبراج الأعلى أفريقيا، وهو الآن سوف يُنفّذ بقرض صيني، بعدما فضلت الحكومة الاقتراض لتنفيذه وتحقيق ربح مادي أكبر من العائد الذي كانت ستحصل عليه لو نفذته «إعمار».
كذلك، انسحبت شركة «China Fortune» الصينية من المشروع قبل أسابيع بعد إخفاقها في الوصول إلى سعر يخص «المدينة الصينية التجارية الثقافية» التي كانت ستنشأ على مساحة 14 ألف فدان في العاصمة الجديدة متضمنة منطقة سكنية، علماً أن مفاوضات مع شركات صينية أخرى اصطدمت بالحائط نفسه. لذلك، تراهن الشركة الحكومية الأساسية على «سياسة النفس الطويل» في تسويق الأراضي، وذلك بإعادة طرحها على الشركات خلال النصف الثاني من 2019 وبداية 2020، بالتزامن مع اكتمال مرافق ومبان حكومية أساسية، خصوصاً أن أسعار البيع الحالية للشركات هي نفسها الأسعار التي افتتح بها المشروع قبل عامين.