بوتيرة بطيئة تسير الإجراءات التنفيذية لاتفاق السويد في شأن مدينة الحديدة، ما قد يطيح المدد الزمنية التي تمّ تحديدها لإنجاز عملية التنفيذ. مردّ ذلك رفض الطرف الموالي للرياض الاعتراف بماهية الاتفاق، واضطرار الأمم المتحدة بفعل هذا الرفض إلى اتخاذ مواقف من نوع المسايرة، بهدف اجتياز حقل الألغام الذي تعبره حالياً. هي نفسها حالة المكابرة والإصرار على انتزاع مكاسب في ربع الساعة الأخير لا تزال تهدّد اتفاق الحديدة، وتنذر بانهياره، مع ما يعنيه الأمر من احتمال انطلاق التصعيد العسكري مجدداً. احتمال لا يلغي سيناريوات أخرى من قبيل إعادة تفعيل الضغوط السعودية، التي قد تؤدي إلى انقشاع الغيمة التي تظلّل تفاهمات استوكهولم.وجدّدت الحكومة الموالية للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، أمس، رفضها إعلان الجيش اليمني واللجان الشعبية الانسحاب من ميناء الحديدة، وتسليمه إلى قوات خفر السواحل التي كانت تتولّى تأمينه منذ ما قبل اندلاع الحرب. وقالت وزارة الخارجية في تلك الحكومة إن القوات التي تسلّمت الميناء «هي عناصر تابعة للحوثيين تمّ إلباسها الزيّ الرسمي»، معتبرة ذلك «محاولة التفاف واضحة على ما تضمّنه اتفاق استوكهولم». وهو الموقف نفسه الذي كانت أعلنته حكومة هادي أول من أمس، معربة عن رفضها «أي إجراءات أو تصرّفات أحادية»، ومشددة على أن «أي قرار يجب أن يتمّ بالطرق الرسمية بقرار من لجنة إعادة الانتشار».
هذا التشكيك، الذي يجلّي مجدداً افتراق قراءة الطرف الموالي للرياض عن حقيقة تفاهمات السويد، حَمَل «أنصار الله» على إماطة اللثام عن مزيد من المعطيات، التي تدعم تفسيرها لما تمّ إعلانه في الـ13 من شهر كانون الأول/ ديسمبر، إذ كشف عضو وفد صنعاء التفاوضي، عبد الملك العجري، أمس، أن مشاورات السويد شهدت، ابتداءً، «طرح مشروع أوّلي، تنصّ البنود 5 و11 و12 منه على تسليم مدينة الحديدة للسلطة المعينة قبل سبتمبر (أيلول) 2014، وغيرها من المطالب التي كانت الإمارات تطرحها منذ بداية التصعيد»، مضيفاً أن «هذا المشروع استُبعد»، وأن تلك البنود «أُسقطت تماماً من الصيغة الأخيرة». وأشار العجري إلى أنه كان ثمة خياران لضمان وقف إطلاق النار في المدينة: أولهما «بقاء كل طرف حيث هو»، بما يجعل «احتمال عودة المواجهة كبيراً»، والثاني «انسحاب قوات العدوان من محيط كيلو 16» في مقابل «قيام الجيش واللجان بالانسحاب من المدينة والموانئ، والاكتفاء بالسلطات الأمنية المختصّة لحمايتها»، و«هو ما تمّ اعتماده». وسبق بيانَ العجري تصريحٌ لافت لمدير أمن ميناء الحديدة، العقيد سلمان الجماعي، أوضح فيه أن قوات خفر السواحل، التي أُنشئت عام 2002، تسلّمت مهام تأمين ميناء الحديدة عام 2003، وهي تواصل القيام بها منذ ذلك الوقت، لافتاً إلى أن آخر دفعة تخرّجت من تلك القوات كانت عام 2007، لتنضمّ إلى الدفعات السابقة في العمل الأمني داخل الميناء.
اضطرت الأمم المتحدة إلى مسايرة الطرف الموالي للرياض رغم حضورها الانسحاب


ما كشفه العجري ينبئ بوضوح بأن الطرف الموالي للرياض كان، منذ ما قبل اختتام مشاورات السويد، على بيّنة مما ينطوي عليه الاتفاق. لكن محاولات التنصّل الجارية اليوم، والتلطّي خلف وجود تفسيرات مغايرة لظاهر بنود التفاهم، تشي بأن ثمة سعياً، مُغطًّى سعودياً وإماراتياً، إلى إحداث التباس يُراد من خلاله تعويض الخسائر التي لحقت بالجبهة التابعة لـ«التحالف». ولعلّ ذلك ما يمكن استشفافه من حديث وزارة خارجية حكومة هادي أمس، عن أن «المسارات القانونية للسلطة التي نصّ الاتفاق على احترامها هي مسارات السلطة الشرعية للدولة اليمنية». مواقف تصعيدية متواصلة دفعت بالأمم المتحدة إلى إظهار قدر من المجاراة لاعتراضات «الشرعية» بقولها في بيان إن «أي عملية لإعادة الانتشار لن تكون مقنعة إلا إذا تمكّن كل الأطراف والأمم المتحدة من مراقبتها، والتحقّق من أنها تتماشى مع اتفاق استوكهولم»، على رغم أن رئيس «لجنة تنسيق إعادة الانتشار»، الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، حضر بنفسه عملية انسحاب الجيش واللجان من ميناء الحديدة، والتي بدأت ليل الجمعة ـــ السبت.
رفض حكومة هادي الاعتراف بانسحاب القوات الموالية لحكومة الإنقاذ من ميناء الحديدة ارتدّ سلباً على اتفاق فتح الطريق الرابطة بين محافظات صنعاء وتعز والحديدة، والمعروفة بـ«كيلو 16»، إذ كان يُفترض أن تُفتح هذه الطريق يوم السبت، لكن امتناع الطرف الموالي للرياض عن سحب قواته من الجهة التي يسيطر عليها حال دون مرور قوافل المساعدات الإنسانية التي كان مُقرّراً تسييرها عبر «كيلو 16». وترافق ذلك مع استمرار خروقات وقف إطلاق النار، والتي أفاد المتحدث باسم الجيش واللجان الشعبية، العميد يحيى سريع، أمس، بأنها بلغت «أكثر من 31 خرقاً خلال الـ24 ساعة الماضية». إزاء تلك المعطيات، يبدو اتفاق السويد في وضع حرج قد يؤدي إلى نسفه، لكن ارتباطه بتفاهمات أكبر مع السعودية يُفترض أن يشكّل مظلة حماية له، وهذا ما قد يتضح لدى عودة اجتماعات «لجنة التنسيق» التي ستستأنف لقاءاتها في الأول من كانون الثاني/ يناير.