في وقتٍ دعا فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى «حسن الظن» بالسعودية على خلفيّة قضية جمال خاشقجي، برز تصعيد من قبل مسؤولين أميركيين بارزين، مثل مطالبة سناتور جمهوري برحيل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على خلفية هذه القضية. وفي خطوةٍ أثارت الاستغراب والتساؤل، أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الرياض حوّلت، بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى السعودية، مبلغ مئة مليون دولار إلى حساب واشنطن، كان من المفترض أن تدفعها المملكة في «المناطق المحررة» من تنظيم «داعش» شمالي سوريا.
ترامب: أحسنوا الظنّ!
شبّه ترامب قضية خاشقجي بقضية بريت كافانو الذي واجه اتهامات باعتداءات جنسية أثناء ترشحه إلى عضوية المحكمة العليا الأميركية قبل أن يفوز بالمنصب. وقال في حديثٍ إلى وكالة «أسوشيتد برس»: «نحن مجدداً أمام: أنت مدان إلى أن تثبت براءتك... لا أحب هذا»، داعياً إلى «حسن الظنّ» بالسعودية. في هذا الإطار، شدّد ترامب على «ضرورة معرفة ما حصل أوّلاً»، مشيراً إلى أنّ التحقيق الذي بدأه السعوديون في شأن خاشقجي قد يستمرّ «أقل من أسبوع».
وفي تصريحات أدلى بها إلى قناة «فوكس» التلفزيونية الأميركية في وقت سابق يوم أمس، قال: «موقفي من حادثة خاشقجي، مرتبط بما إذا كان الملك وولي عهده على علم بالموضوع أم لا. فإذا كانا على علم بذلك، فهذا أمر سيّئ للغاية». وكان ترامب قد غرّد بعد اتصال مع ابن سلمان، قائلاً إن الأخير «نفى علمه بالذي حدث في القنصلية السعودية في إسطنبول».
وفيما يعتزم وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، حضور مؤتمر «دافوس الصحراء» في الرياض (23 تشرين الأول/ أكتوبر)، قال ترامب إن زيارة منوتشين قد تُلغى بحلول يوم الجمعة، وفقاً لما يتوصل إليه التحقيق. أما نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، فقد قال إنه في حال تأكّد مقتل خاشقجي، فإنه يبنغي «محاسبة المتورطين في الحادثة».


غراهام: ابن سلمان آلة تدمير
وفي تصعيدٍ لافت، طالب السناتور الأميركي البارز، ليندسي غراهام، برحيل ولي العهد السعودي بسبب اختفاء خاشقجي. وأضاف غراهام في مقابلة تلفزيونية أنه لن يتعامل مع السعودية أو يذهب إليها ما دام ابن سلمان ولياً للعهد. السناتور الجمهوري المقرب من الرئيس الأميركي، تعهّد في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» بإيقاع «أشدّ أنواع العقوبات» على الرياض، في حال بقاء بن سلمان في منصبه.
ووصف غراهام ولي العهد السعودي بأنه «آلة تدمير» قتلت خاشقجي، وشخصية «مثيرة للقلاقل»، مضيفاً أنه لن يكون قائداً عالمياً. واعتبر أنّ ابن سلمان كان وراء اختفاء الصحافي السعودي وتصفيته المحتملة داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، مضيفاً أن السعودية ارتكبت هذا العمل «أمام أعيننا... إنهم لا يضمرون لنا سوى الازدراء، لماذا يحرجون شخصاً مثلي ومثل الرئيس بعد كل ما قام به الرئيس؟ لا بد لهذا الرجل أن يرحل»، في إشارة إلى ولي العهد السعودي.
رداً على مساعي تبرئة ولي العهد السعودي من دماء خاشقجي والبحث عن كبش فداء، قال غراهام «لا شيء يحدث في السعودية من دون معرفة الأمير ابن سلمان»، متوجهاً إلى السعوديين بالقول: «هناك الكثير من الأشخاص الجيدين الذين يمكنهم اختيارهم للقيادة، أما محمد بن سلمان فقد لطّخ سمعة بلادكم وسمعته»، مضيفاً «هناك فرق بين البلاد والفرد»، في إشارة إلى ابن سلمان والسعودية.
السناتور الجمهوري المعروف بدفاعه عن السعودية عادةً، قال إن ثلاثة من أبناء خاشقجي الذين يحملون الجنسية الأميركية أتوا إلى مكتبه، وطلبوا منه المساعدة لأنّهم قلقون على أخيهم الموجود في السعودية، مؤكداً: «لسنا أمام قتلة مارقين لخاشقجي، ولكن أمام ولي عهد مارق».


«وكيل علاقات عامة»
تأتي تصريحات غراهام في سياق تصاعد ضغوط المشرّعين الأميركيين على البيت الأبيض لاتخاذ إجراءات ضدّ الرياض جرّاء تورطها في التستّر على اختفاء خاشقجي. ونقلت وكالة «بلومبرغ» عن زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، قوله إنه «لا بد من اتخاذ إجراءات معينة عقب تكشف المزيد من التفاصيل في قضية خاشقجي».
في هذا السياق، قال السيناتور الديموقراطي، كريس ميرفي، عبر «تويتر» إنه يسمع بأن «نظرية القتلة المارقين السخيفة هي ما سيذهب إليه السعوديون... من المذهل حقاً أنهم استطاعوا توظيف رئيس الولايات المتحدة كوكيلٍ للعلاقات العامة لترويجها». في الاتجاه نفسه، سألت السيناتور الديموقراطية، إليزابيث وارن، ترامب إلى «أي جهة يعمل» حالياً بعدما «أنقذته السعودية لعقود من صفقاته العقارية السيئة».
من جهته، رفض السيناتور الجمهوري، ماركو روبيو، أن يأخذ في الاعتبار المخاوف من خسارة صفقات تسلح مع الرياض في حال فرض عقوبات عليها.
وقال عبر شبكة «سي إن إن»: «لا يهمني كم يمثّل هذا الأمر من أموال. لا يوجد أي مبلغ في العالم يمكن أن يشتري مصداقيتنا حول حقوق الإنسان وطريقة تعاطي الدول معنا». وتابع: «كانت لدينا منذ زمن طويل هذه المخاوف بأن يكون ولي العهد هذا الشاب العدواني الذي يبالغ في الهامش الذي يملكه للتحرك»، معتبراً أن «مجلس الشيوخ والكونغرس سيتحرّكان».